الحال موقنا عالما بأنّ ربّه تعالى لا يجوز أن يكون بصفة شيء من الكواكب ، وإنّما قال ذلك على سبيل الانكار على قومه والتنبيه لهم على أنّ ما يغيب ويأفل لا يجوز ان يكون إلها معبودا ، ويكون قوله : (هذا رَبِّي) محمولا على أحد وجهين :
[أحدهما :] أي هو كذلك عندكم وعلى مذاهبكم. كما يقول أحدنا للمشبّه على سبيل الانكار لقوله : هذا ربّه جسم يتحرّك ويسكن.
والوجه الآخر : أن يكون قال ذلك مستفهما ، وأسقط حرف الاستفهام للاستغناء عنه ، وقد جاء في الشعر ذلك كثيرا :
قال الأخطل :
كذبتك عينك أم رأيت بواسط |
|
غلس الظّلام من الرّباب خيالا (١) |
وقال الآخر :
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا |
|
بسبع رمين الجمر أم بثمان (٢) |
وأنشدوا قول الهذلي :
وقوني وقالوا يا خويلد لم ترع |
|
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم (٣) |
يعني أهم هم؟
وقال ابن أبي ربيعة :
ثمّ قالواتحبّها قلت بهرا |
|
عدد الرّمل والحصى والتّراب (٤) |
فإن قيل : حذف حرف الاستفهام إنّما يحسن إذا كان في الكلام دلالة عليه وعوضا عنه ، وليس تستعمل مع فقد العوض ، وما أنشدتموه فيه عوض عن حرف الاستفهام المتقدّم ؛ والآية ليس فيها ذلك.
__________________
(١) ديوانه ص ٤١. راجع أيضا لسان العرب ج ١ ص ٧٠٤.
(٢) راجع الكامل في اللغة والأدب ١٠ : ٢٣٣ ، نسبه إلى ابن أبي ربيعة المخزومي.
(٣) راجع الأغاني ٥ : ٣٩٤ وفيه رفوني : أي سكنوني وقالوا لا بأس عليك.
(٤) راجع الأغاني ١ : ٣٩٤ وفيه عدد القطر ....