قلنا : قد يحذف حرف الاستفهام مع إثبات العوض عنه ومع فقده إذا زال اللبس في معنى الاستفهام ، وبيت ابن أبي ربيعة خال من حرف الإستفهام ومن العوض عنه. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١) قال : هو أفلا اقتحم العقبة؟ فالقيت ألف الاستفهام. وبعد ، فإذا جاز أن يلقوا ألف الاستفهام لدلالة الخطاب عليها ، فهلّا جاز أن يلقوها لدلالة العقول عليها؟ لأنّ دلالة العقل أقوى من دلالة غيره (٢).
[الثاني : إن سأل سائل فقال :] ما جواب من اعترض ما أورده «حرس الله مدته» في كتابه الموسوم ب «التنزيه» من تجويزه أن يكون قول إبراهيم عليهالسلام للنجم والشمس والقمر (هذا رَبِّي) أوّل وقت تعيّن فرض التكليف للنظر عليه ، وأنّه قال ذلك فارضا له مقدّرا ، لا قاطعا ولا معتقدا ، فلمّا رأى أفول كلّ واحد منها رجع عمّا فرض وأحال ما قدر.
فقال : الذاهب إلى هذا لا ينفكّ من أن يلزمه أحد أمرين ، وهما :
القول : بأنّ تحيّز هذه الكواكب وحركاتها لا تدلّ على حدوثها ، كما تدلّ على أفولها ، إذ لو دلّ لما أهمل القطع به على حدوثها ، والرجوع عمّا فرضه فيها إلى حين أفولها ، واستدلاله بذلك عليه.
والقول : بأنّ إبراهيم عليهالسلام في حال كمال عقله قصر عن المعرفة ، بأنّ التحيّز والحركات تدلّ على الحدوث.
وإلى أيّ الأمرين ذهبتم كان قادحا في معتمدكم ؛ لأنّ الذهاب إلى الأوّل يقدح في دلالة الحركات والتحيّز عندكم على الحدوث ؛ والثاني يقدح فيما تذهبون إليه من عصمة الأنبياء قبل النبوّة وبعدها ، وفي إهمال القطع بالأدلة المثمرة للعلم بالمطلوب ، تغرير من المهمل لذلك ، والتغرير بالنفس قبيح.
وما أدري كيف يكون الغيبة بعد الظهور دليلا على الحدوث والظهور بعد
__________________
(١) سورة البلد ، الآية : ١١.
(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٣٩.