الغيبة غير دليل عليه ، وقد تقدّم الظهور بعد الغيبة عنده على الغيبة بعد الظهور ، وشفّع ذلك التحيز والحركة ، بل العلم بذلك مقارن للعلم بالظهور.
ولا أدري كيف يسوغ أن لا يعلم أعلم الأنبياء من دلالة هذه الأمور ما يعلمه [غير] النبيّ ، أو من علم حرارة ، أم الرجوع منه واجب.
الجواب :
إعلم أنّا قد تكلّمنا في كتابنا الموسوم ب «تنزيه الأنبياء والأئمة صلوات الله على جماعتهم» على تأويل هذه الآية ، وأجبنا فيها بهذا الوجه الذي حكي في السؤال وبغيره. والوصل الذي يجب تحقيقه أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الإمام لا يجوز أن يخلف عارفا بالله تعالى وأحواله وصفاته : لأنّ المعرفة ليست ضرورية ، بل مكتسبة بالأدلة فلا بدّ من أحوال يكون غير عارف ثم تجدّد له المعرفة.
إلّا أن نقول : إنّ المعرفة لا يجوز أن تحصل إلى النبي أو الإمام ، إلّا في أقصر زمان يمكن حصولها فيه ؛ لأنّ المعصية لا تجوز عليه قبل النبوّة أو الإمامة كما لا تجوز عليه بعدها.
وقد روي أنّ إبراهيم عليهالسلام ولد في مغارة ، وأنّه ما كان رأى السماء ثم تجدّدت رؤيته لها ، فلمّا رأى ما لا تعهده ولا تعرفه من النجم ولم يره متجدّد الطلوع بل رآه طالعا ثابتا في مكانه ، من غير أن يشاهده غير طالع ثم طالعا ، فقال فرضا وتقديرا على ما ذكرناه : (هذا رَبِّي) فلما أفل واستدلّ بالأفول على الحدوث علم أنّه لا يجوز أن يكون إلها. وجرى ذلك في القمر والشمس.
ولو كان علم تجدّد طلوعه كما علم تجدّد أفوله ، لاستدلّ على حدوثه بالطلوع ، كما استدلّ بالأفول. إلّا انّا قد فرضنا أنّه لم يعلم ذلك.
ومن الجائز أن يكون عالما به على الوجوب لمن شاهد السماء من طلوع الكواكب ثم تجدّد طلوعه فيها.
وقد زال بهذا البيان الذي أوضحناه ، الشكّ في الجواب الذي اختار في الكتاب المشار إليه ؛ لأنّه بنى على أنّا فرقنا في دلالة الحدوث بين طلوع متجدّد