هارون ابن موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» (١) فاقتضى هذا الظاهر أن له كلّ منازل هارون من موسى ؛ لأنّه أطلق ولم يخصّ إلّا ما دلّ عليه العقل ، والاستثناء المذكور ، ولو لا أن الكلام يقتضي الشمول لما كان للاستثناء معنى ، وإنّما نبّه عليهالسلام باستثناء النبوّة على أن ما عداه قد دخل تحته إلّا ما علم بالعقل أنه لا يدخل فيه نحو الاخوة في النسب أو الفضل الذي يقتضيه شركة النبوّة إلى ما شاكله ، وقد ثبت أنّ أحد منازله من موسى عليهالسلام أن يكون خليفته من بعده وفي حال غيبته ، وفي حال موته ، فيجب أن يكون هذه حال أمير المؤمنين عليهالسلام ، من بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قالوا : ولا يطعن فيما بيّنّاه أن هارون عليهالسلام مات قبل موسى عليهالسلام لأن المتعالم أنّه لو عاش بعده لخلفه فالمنزلة ثابتة ، وإن لم يعش فيجب حصولها لأمير المؤمنين عليهالسلام إذا عاش بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما لو قال الرئيس لصاحب له : منزلتك عندي في الإكرام والعطاء منزلة فلان من فلان وفلان فات فيه الإكرام والعطاء بموت أو غيبة ولم يفت في الثاني ، فالواجب أن ينزل منزلته ، ولا يجوز أن يقال : لا يزاد على الأوّل في ذلك ، قال : وربّما قالوا : قد ثبت أن موسى عليهالسلام قد استخلف هارون على الإطلاق على ما دلّ عليه
__________________
(١) حديث المنزلة أخرجه جماعة من الحفاظ وأرباب المسانيد كالبخاري في صحيحه ٤ / ٢٠٨ ، كتاب بدء الخلق باب مناقب عليّ بن أبي طالب وج ٥ / ١٢٩ ، كتاب المغازي ، باب غزوة تبوك ، ومسلم في صحيحه ٢ / ٣٦٠ ، كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عبد البرّ بترجمة عليّ عليهالسلام من الاستيعاب ٣ / ٤٥ وعقب عليه بقوله : «وهو من أثبت الاثار وأصحها رواه عن النبي سعد بن أبي وقاص» قال : «وطرق سعد فيه كثيرة ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره» قال : «ورواه ابن عبّاس ، وأبو سعيد الخدري ، وأمّ سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وجابر بن عبد الله وجماعة يطول ذكرهم» ورواه أحمد في المسند بطرق عديدة عن جماعة من الصحابة (انظر الجزء الأول ص ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٥ و ٣٣١ ، والجزء السادس ٣٦٩ و ٤٣٨ ، وفي صواعق ابن حجر ص ١٧٩ قال أخرج أحمد «إنّ رجلا سأل معاوية عن مسألة ، فقال : سل عنها عليا فهو أعلم ، قال : جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب عليّ ، قال بئس ما قلت لقد كرهت رجلا كان رسول الله يغره بالعلم غرّا ، ولقد قال له : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي» وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه قال : وأخرجه آخرون ولكن زاد بعضهم : قم عنّي لا أقام الله رجليك ، ومحا اسمه من الديوان» ونقله كلّ علماء السيرة عند تعرضهم لغزوة تبوك ، والكلام في ذكر كلّ ما هنالك يطول.