في العطية ، ولا يخالف بينهما فيها من حيث اختلفت جهة استحقاقهما ، ولا يكون قول هذا القائل عند أحد من العقلاء يقتضي سلب المعطى الثاني العطية من حيث سلبه جهة استحقاقها في الأول ، فوجب بما ذكرناه أن تكون منزلة هارون من موسى عليهالسلام في استحقاق خلافته له بعد وفاته ثابتة لأمير المؤمنين عليهالسلام لاقتضاء اللفظ لها ، وإن كانت تجب لهارون من حيث كان في انتفائها تنفير يمنع نبوته منه ، وتجب لأمير المؤمنين عليهالسلام من غير هذا الوجه.
وليس له أن يقول : إن ما ذكرتم حاله لم يختلفا في جهة العطية ، وما هو كالسبب لها ؛ لأن القول من الموصي هو المقتضي لها ، والمذكوران يتساويان فيه ؛ وذلك أن سبب استحقاق العطية في الحقيقة ليس هو القول ، بل هو ما تقدم ثمن البيع وقيمة التلف أو ما جرى مجراهما وهو مختلف لا محالة ، وإنما يجب بالقول على الموصى إليه العطية ، فأمّا الاستحقاق على الموصي وسببه فيتقدمان بغير شك ، ويزيد ما ذكرناه وضوحا أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لو صرّح به حتّى يقول : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» في خلافته له في حياته واستحقاقها له لو بقي إلى بعد وفاته إلّا أنك لست بنبي كان كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم صحيحا غير متناقض ولا خارج عن الحقيقة ، ولم يجب عند أحد أن يكون باستثناء النبوة نافيا لما أثبته من منزلة الخلافة بعد الوفاة ، وقد يمكن مع ثبوت هذه الجملة أن يرتب الدليل في الأصل على وجه يجب معه كون هارون مفترض الطاعة على امّة موسى لو بقي إلى بعد وفاته ، وثبوت مثل هذه المنزلة لأمير المؤمنين عليهالسلام وإن لم يرجع إلى كونه خليفة له في حال حياته ووجوب استمرار ذلك إلى بعد الوفاة فإن في المخالفين من يحمله نفسه على دفع خلافة هارون لموسى في حياته وإنكار كونها منزلة تنفصل عن نبوته وإن كان فيما حمل نفسه عليه ظاهره المكابرة ويقول : قد ثبت أن هارون كان مفترض الطاعة على امّة موسى عليهالسلام لمكان شركته له في النبوّة التي لا يتمكن من دفعها ، وثبت أنه لو بقي بعده لكان ما يجب من طاعته على جميع امّة موسى عليهالسلام يجب له ؛ لأنّه لا يجوز خروجه عن النبوّة وهو حيّ ، وإذا وجب ما ذكرناه وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أوجب بالخبر لأمير المؤمنين عليهالسلام جميع منازل هارون من موسى ونفى أن يكون نبيّا وكان من