درهما فالمراد بما أثبته الحال وبما نفاه الحال ولا يجوز في الكلام سوى ذلك إلّا بقرينة ودلالة ، وقد علمنا أنّه عليهالسلام لما قال لعليّ عليهالسلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» أثبت له المنزلة في الوقت ، فيجب فيما استثنى أن يتناول الوقت فكيف يقال : إنّه أراد بعد موته بل [كيف] (١) يجب حمله على الوقت فكأنه قال : أنت منّي في حال نبوّتي بمنزلة هارون من موسى في حال نبوّته وبعد نبوّته إلّا أنّه لا نبيّ بعد نبوّتي ، حتّى يكون الاستثناء متناولا للحال التي لو لا الاستثناء لثبت ، فإذا كان لو لم يستثن لوجب في حق الكلام أن يكون شريكه في النبوّة في الحال ، كما ثبت لهارون فيجب إذا استثني أن يقتضي نفي هذا المعنى وهذا يمنع من حمله على بعد الموت ، وليس لأحد أن يقول : فيجب أن لا يعرف بقوله : «إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» أنه خاتم الأنبياء ؛ وذلك لأنّه إذا كان المراد إلّا أنه لا نبيّ بعد كوني نبيّا فقد دلّ على ذلك بأقوى ما يدلّ لو أراد إلّا أنّه لا نبيّ بعد وفاتي (٢) فكيف لا يدلّ على ما ذكرتموه؟
ولسنا نعتمد في أنه خاتم النبيّين عليهالسلام إلّا على ما نعلم من دينه ضرورة بالنقل المتواتر الذي نعرف به ذلك من غير اعتبار لفظه ...» (٣).
يقال له : قد أجاب أصحابنا من أن يكون قوله عليهالسلام : «إلّا أنه لا نبيّ بعدي» أراد به بعد نبوّتي بجوابين :
أحدهما : أن قوله عليهالسلام : «لا نبيّ بعدي» يقتضي ظاهره بعد موتي ؛ لأن العادة جارية في فائدة مثل هذه اللفظة إذا وقعت على هذا الوجه بمثل ما ذكرناه ، ألا ترى أن أحدنا إذا قال : فلان وصيي من بعدي وهذا المال يفرق على الفقراء من بعدي لم يفهم من كلامه إلّا بعد وفاتي دون سائر أحواله ، وإذا كان الظاهر يقتضي صحّة قولنا وجب التمسّك به ، واطراح قول من سامه العدول عنه.
والجواب الثاني : إنا لو سلّمنا للخصوم ما اقترحوه من أن المراد بنفي النبوّة
__________________
(١) «كيف» من «المغني».
(٢) في المغني «ولو أراد بقوله : ببعدي بعد وفاتي».
(٣) المغني ، ٢٠ : ١٦٣.