بنى الفصل على أن الخلافة لو وجبت بعد الوفاة حسبما يذهب إليه لم يصحّ وصفها قبل حصولها بأنّها منزلة ، ولو كان مخالفا في أنّها ممّا يجب أن يحصل لاستغنى بالمنازعة عن جميع ما تكلّفه فقد بان من جملة ما أوردناه ، أن الذي اقترحه من أن الخبر لم يتناول المقدّر لم يغن عنه شيئا ؛ لأنّا مع تسليمه قد بيّنا صحّة مذهبنا في تأويله ، وان كلامه إذا صحّ لم يكن له من التأثير أكثر من منع الوصف بالمنزلة ما كان مقدّرا ، وليس يضرّ من ذهب في هذا الخبر إلى النصّ ؛ لامتناع من وصف الخلافة بعد الوفاة بأنّها منزلة قبل حصولها إذا ثبت له أنّها واجبة مستحقّة وأنّ ما يقتضيها يجب وصفه بأنّه منزلة.
قال صاحب الكتاب : «فإن قال : إنّ الذي يدلّ على أنّ الخبر يتناول ذلك قوله : «إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» وظاهر ذلك بعد موتي فيجب أن يكون ما أثبته بعد الموت ، أيضا قيل له : إن التشبيه الأول يقتضي حمل هذا الاستثناء على أن المراد به بعد كوني (١) نبيّا ليصحّ أن يحصل ما استثناه (٢) في هارون كما صحّ أن يحصل ما استثنى منه في هارون ؛ لأنّه لا بدّ من صحّة الأمرين في هارون (٣) وقد علمنا أنه لم يكن من منازل النبوّة بعد موسى ، وإنما يدخل في منازله النبوّة بعد نبوّة موسى فيجب أن يكون إنما استثنى ما لولاه لثبت من منازل (٤) هارون ، ولا يجوز أن يستثنى ما لولاه لم يثبت من منازل (٥) هارون ؛ لأن ذلك لا يفيد ، وهذا يبين صحّة ما قدّمناه ، وإذا ثبت أن المراد إلّا أنّه لا نبيّ بعد نبوّتي فيجب أن يكون المنازل التي دخلها (٦) هذا الاستثناء بعد نبوته لا بعد موته ، وهذا يسقط ما عوّلوا عليه ، فصار التشبيه الأول هو الدال على أنّ المستثنى والمستثنى منه جميعا حاصلان لهارون ، وإذا لم يحصل له كلّ المنازل إلّا في حال الحياة من موسى وجب صحّة ما ذكرناه ، وممّا يبيّن صحّة ذلك أنّ من حق الاستثناء أن يطابق المستثنى منه في وقته ؛ لأنّ الرجل إذا قال لفلان عليّ عشرة دراهم إلّا
__________________
(١) في المغني «يتصل كون نبيّا».
(٢) في نسخة «ما استثني منه».
(٣) في المغني «في منازل هارون».
(٤) في المغني «في منازل».
(٥) كذلك.
(٦) في المغني «المنازل التي حصل لأجلها».