[الثاني : سئل] كيف يصح مع استحالة ورود السمع بما ينافي المعلوم استدلالا يرد عنا؟ فإن المعلوم ضرورة ، وعلم الضرورة أقوى لكونه من الشبهة أبعد وأقصى. وقد نهى الله سبحانه عن القول بأن الشهداء أموات ، وأخبر أنهم أحياء عند ربّهم يرزقون ، وقال بعد ذلك (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) هذا مع العلم حسا ومشاهدة بموتهم ، وكون أجسادهم طريحة لا حياة فيها مثل جسم مولانا الحسين عليهالسلام ، وكونه بالطف طريحا ، وبقاء رأسه مرئيا محمولا أيّاما ، وقد انضاف إلى هذا العلم الضروري شهادات الحجج عليهمالسلام بأن الجسم الطريح جسمه والرأس المحمول رأسه.
وكذلك القول في حمزة وجعفر عليهماالسلام وأن الكبد المأكولة كبد حمزة ، واليدين المقطوعتين يدا جعفر وقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : قد أبدله بهما جناحين يطير بهما في الجنّة مع الملائكة (١) ، وروي أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال يوما : لقد اجتاز بي جعفر يطير في زمرة من الملائكة (٢).
فإن كانت هذه الحياة المأمور بالقطع عليها على الفور ، فهو دفع للضرورات وتكذيب المشاهدات والشهادات والمتناقضة نفسها ، وإن كانت على التراخي وفي المعاد العام ، ففيه بطلان ما اتّفقت الطائفة (حرسها الله عليه) بأن المسلم عند قبورهم مسموع الكلام مردود عليه الجواب ، ولذلك يقولون عند زياراتهم : أشهد أنك تسمع كلامي وترد جوابي. وذلك واجب المضي على ظاهره ؛ لأن الانصراف عنه مع خروجه عن الاستحالة بحياتهم المقطوع عليها غير جائز ، وإنّما ينصرف عن الظواهر إذا استحالت ، أو منع منها دليل ، فلينعم بما عنده في جميع ذلك مشروحا مبينا أعظم الله ثوابه وأكرم مآبه.
الجواب : إعلم أنه ليس في القول بأن الأئمّة والشهداء والصالحين بعد أن يموتوا ويفارقوا الحياة في الدنيا أحياء عند ربّهم يرزقون ، مدافعة لضرورة ولا
__________________
(١) جامع الأصول ، ١٧٦.
(٢) بحار الأنوار ، ٢٢ : ١٧٣ ، ٢٧٦.