مكابرة لمشاهدة ؛ لأن الإعادة للحي منا إلى جنّة أو نار أو ثواب أو عقاب ، لا تفتقر إلى إعادة جميع الأجزاء الّتي يشاهدها الأحياء منا دائما. وإنّما يجب إعادة الأجزاء الّتي تتعلّق بها بنية الحياة ، والّتي إذا انقضت (١) خرج الحي منا أن يكون حيّا ، وليس كلّ ما نشاهده من الأحوال (٢) هذا حكمه. ألا ترى أن الحي منا لو قطعت أطرافه ، كيده أو رجله أو أنفه أو أذنه ، لا يخرج من أن يكون حيّا [يجري] مجرى أجزاء السمين الّتي إذا زالت بالهزال ، لم يخرج من أن يكون حيّا ، ولا يضرب أحكامه في مدح وذمّ أو ثواب وعقاب.
وليس يجري ذلك مجرى قطع رأسه أو توسيطه ؛ لأنه يخرج بقطع الرأس والتوسط من أن يكون حيّا ، فالإعادة على هذا الأصل الّذي ذكرناه إنّما تجب للأجزاء الّتي إذا انتقصت خرج الحي من أن يكون حيّا.
وليس نمنع إعادة الأجزاء من جسم ميت ، وإن شاهدناه في رأي العين على هيئة الأولى ، ووجدنا أكثر أعضائه وبنيته باقية ؛ لأن المعول على تلك الأجزاء الّتي هي الحي على الحقيقة ، فإذا أعادها الله تعالى وأضاف إليها أجزاء أخر غير الأجزاء الّتي كانت في الدنيا لأعضائه ، جرى ذلك مجرى السمن والهزال والأبدال يد بيد ، فلا مانع إذن من أن يكون حيّا متنعّما في النعيم والثواب وإن كنا نرى جسمه في القبر طريحا.
وهذا يزيل الشبهة المعترضة في هذا الباب الّتي السبب في اعتراضها قلّة العلم بدقائق هذه الأمور وغوامضها وسرائرها. وممّا يشهد لما ذكرناه ما روي في جعفر الطيّار عليهالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من أن الله تعالى أبدله بيديه المقطوعتين جناحين يطير بهما في الجنّة.
وقد كنا أملينا قديما مسألة مفردة في تأويل قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) استوفينا الكلام فيها (٣). وذكرنا
__________________
(١) ظ : انتقصت.
(٢) ظ : الاجزاء.
(٣) لا يوجد في الرسائل ولعلّه مفقود.