في كتابنا المعروف بالذخيرة الكلام في كيفية الإعادة ، وما يجب إعادته وما لا يجب ذلك فيه (١) واستوفيناه والجملة الّتي ذكرناها هاهنا كافية لمن تصفحها (٢).
[الثالث : ان سأل سائل فقال :] إذا كنا نعلم أن علم المكلّف بوصوله إلى ثواب طاعاته عقيب فعلها يقتضي إلجاؤه إليها ، وأن يفعلها لأجل الثواب لا لوجه وجوبها ، وأن ذلك وجهان يقتضيان قبح تكليفها ، ولذلك قلنا بوجوب تأخير الثواب. فما الوجه من كون الشهيد حيّا عنده تعالى والوجيه الحال وما وردت به من وصول الأنبياء والأوصياء ومخلصي المؤمنين إلى الثواب عقيب الموت ، وأنهم أجمع أحياء عند الله يرزقون.
الجواب : إعلم أن الّذي يمضي في الكتب من أن المكلّف لو قطع على وصوله إلى ثواب طاعته وعقاب معصيته عقيب الطاعة والمعصية ، يقتضي الالجاء على نظر في ذلك ، غير مناف لما نقوله من أن الشهيد يدخل الجنّة عقيب موته بالشهادة. وكذلك الأنبياء والأوصياء ؛ لأن الشهادة أولا ليست من فعل الشهيد ، وإنّما بطلان حياته بالقتل في سبيل الله تعالى يسمى (شهادة) ، والقتل الّذي به تكون الشهادة من فعل غير الشهيد ، فكيف يجوز الالجاء إليه؟ ولا هو يجوز أن يقال أنهم ملجأون إلى الجهاد ؛ لأن الجهاد (٣) لا يعلم وقوع الشهادة لا محالة ، ولأن المجاهد إنّما يفعل الجهاد ويقصد به غلبته للمشركين ، لا إلى أن يغلبوه ويقتلوه شهيدا ، فالالجاء هاهنا غير متصوّر.
فأمّا الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام فليس يتعيّن لهم الطاعة الّتي يجازون بالثواب ودخول الجنّة عقيبها ، ولا طاعة يفعلونها إلّا وهم يجوزون أن يتأخّر الجزاء عليها ، بأن يغيّر تكليفهم ويستمرّ ، كما يجوزون أن يصلوا عقيبها إلى الثواب.
وهذا التجويز وعدم القطع يزيلان الالجاء الّذي اعتبر فيمن يقطع على وصوله إلى ثواب طاعته عقيب فعله ، وهذا بين لمن تدبّره.
__________________
(١) الذخيرة : ١٥١.
(٢) الرسائل : ١ : ٤٠٦ ـ ٤٠٨.
(٣) ظ : المجاهد.