يقال له : إنّا لا نسألك عن هذا السؤال الذي أوردته على نفسك ، ومع إنا لا نسألك عنه فقد أجبت عنه بما ليس بصحيح ؛ لأن مجرد اللفظ الذي يقتضي الإثبات من الخبر لا يقتضي بظاهره لا الحال ولا المستقبل ، وإنّما يرجع في ذلك إلى غير ما يقتضيه لفظ الإثبات ، ولهذا يرجع أصحابنا في تعلّق الاثبات بالوفاة أو بحال الوفاة والحياة معا إلى الاستثناء ، وكما إن المنزلة لو تغيرت في المستقبل على ما ذكرت لم يبطل حكم اللفظ ، فكذلك لو لم يحصل في الحال لما بطل أيضا حكم اللفظ ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لو دلّنا عند خطابه لنا بالخبر على أن مراده به إثبات المنازل في حال منتظرة لم يكن القول مجازا ولا بطل حكم لفظه ، وإنّما يصحّ ما ادّعيته لو كان إطلاق القول يقتضي الحال ، وهذا غير مسلم ولم نرك دللت عليه بأكثر من دعواك بطلان حكم اللفظ ، وهذه دعوى باطلة.
فأمّا ادعاؤه اقتضاء الخبر لنفي الإمامة من حيث لم يكن هارون بعد وفاة موسى إماما وقوله : «إنّه لم يكن بهذه الصفة منزلة» فبعيد من الصواب ؛ لأنّ هارون وإن لم يكن خليفة لموسى بعد وفاته ، فقد دلّلنا على أنّه لو بقي لخلفه في أمّته ، وإن هذه المنزلة وإن كانت مقدّرة يصح أن تعدّ في منازله ، وإن المقدّر لو تسامحنا بأنه لا توصف المنزلة لكان لا بدّ من أن يوصف ما هو عليه من استحقاق الخلافة بعده بأنّه منزلة ؛ لأنّ التقدير وإن كان في نفس الخلافة بعده فليس هو في استحقاقها ، وما يقتضي وجوبها ، وإذا ثبت ذلك فالواجب فيمن شبهت حاله بحاله ، وجعل له مثل منزلته إذا بقي إلى بعد الوفاة أن تجب له الخلافة ولا يقدح في ثبوتها له أنها لم تثبت لهارون بعد الوفاة ، ولو كان ما ذكروه صحيحا لوجب فيمن قال لوكيله : اعط فلانا في كل شهر إذا حضرك دينارا ، ثمّ قال في الحال أو بعدها بمدّة : وأنزل فلانا منزلته ، ثم قدّرنا أن المذكور الأول لم يحضر المأمور لعطيته ولم يقبض ما جعله له من الدينار أن يجعل الوكيل إن كان الأمر على ما ادّعاه صاحب الكتاب تأخر المذكور الأول طريقا إلى حرمان الثاني العطية ، وأن يقول له : إذا كنت إنّما أنزلت منزلة فلان وفلان لم يحصل له عطية ، فيجب أن لا يحصل لك أيضا ، وفي علمنا بأنه ليس