المسلمين ، وليس خلافة يوشع بن نون لموسى عليهالسلام بعده ثابتة بالقرآن ، ولا ظاهرة لكلّ من ظهر له خلافة هارون ، فأراد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يوجب له الإمامة بالأمر الواضح الجلي الذي يشهد به القرآن ولا يعترض فيه الشبهات ، على أن يوشع بن نون لم يكن خليفة لموسى عليهالسلام بعده فيما يقتضي الإمامة ، وإنما كان نبيّا بعده مؤدّيا لشرعه ، وخلافته فيما يتعلّق بالإمامة كانت في ولد هارون ، فليس للمخالف أن يقول : إن حصول الإمامة في ولد هارون غير معلوم من طريق يقطع عليه ؛ لأن المرجع فيه إلى أخبار الآحاد ، أو إلى قول اليهود الذي لا حجّة فيه ، وليس هكذا حكم نبوّة يوشع بن نون ؛ لأنه لا خلاف بين المسلمين في أنّه كان نبيّا بعد موسى عليهالسلام ؛ لأنّا نقول له : اعمل على أن الأمر كما ذكرت أليس وإن علمنا بنبوّة يوشع بعد موسى فإنا غير عالمين بأن الإمامة كانت إليه ، وانه كان المتولي لما يقوم به الأئمة فلا بدّ من نعم ، فنقول له : فهذا القدر كاف في إبطال سؤالكم ؛ لأنّا وإن لم نعلم أن الإمامة كانت في ولد هارون من بعد موسى فلم نعلم أيضا أنها كانت إلى يوشع بن نون مضافة إلى النبوّة ، فكيف يقال لنا : إن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لو أراد الإمامة لقال أنت منّي بمنزلة يوشع بن نون؟
قال صاحب الكتاب : «على أنه يقال لهم : ومن أين أن هارون لو عاش بعد موسى لكان خليفته؟ فإن قالوا : إذا كان خليفته في حال حياته وجب مثله بعد وفاته ، قيل لهم : أتقولون : إنّ الخلافة في حال الحياة تقتضي الخلافة بعد الموت لا محالة ، أو يحتاج في كونه خليفة له بعد وفاته إلى أمر آخر ، فإن قالوا : يقتضي ذلك ، قيل لهم : فيجب لو قيّده بحال الحياة أن يكون خليفته بعد الموت ، وأن لا يفترق الحال بين المقيّد منه والمطلق ولا فرق بين من قال إن خلافته منه عليهالسلام سنة تقتضي الخلافة فيما بعد وبين من قال مثله (١) في الوكالة والإمارة وغيرهما ، ...» (٢).
ثمّ ذكر بعد هذا كلاما لا نرتضيه ولا نتعلّق به إلى أن قال : «وبعد فمن أين
__________________
(١) في المغني «ولا فرق بين من قال ذلك وبين من قال بمثله في الوكالة والإمارة وغيرها».
(٢) المغني ، ٢٠ : ١٦٥.