الله تعالى أن يبعث نبيّا ببعض الشرائع دون بعض فما الذي يمنع من أن يحمله الشرع ولا يجعل إليه (١) هذه الأمور أصلا». ثمّ قال بعد سؤال لا نسأله عنه : «وبعد فإنه يقال لهم : إذا كان سبب الاستخلاف الغيبة فما أنكرتم أنها إذا زالت زال الاستخلاف بزوالها ويكون اللفظ وإن كان مطلقا في حكم المقيد ؛ لأنّ السّبب والعلّة فيما يقتضيانه أقوى من القول فيما حلّ هذا المحلّ ، وعلى هذا الوجه جرت العادة من الرسول أنه كان يستخلف بالمدينة عند الغيبة الواحد من أصحابه ، فإذا عاد زال حكم الاستخلاف كما روي في ابن امّ مكتوم وعثمان وغيرهما يبيّن ذلك أن استخلافه في حال الغيبة يقتضي أنه خليفته في موضع دون موضع ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون خليفته في المكان الذي غاب إليه ، وإنما يكون خليفته في الموضع الذي غاب عنه ، فلو قلنا : إن ذلك يقتضي كونه خليفة بعد موته لاقتضى أن يكون خليفة في الكل ، واللفظ الأول لم يقتضه ، وهذا يبيّن أن ذلك لا يقع إلا مقيّدا ، ...» (٢).
يقال له : أول ما في كلامك أنه ناقض لما حكيناه عنك قبل هذا الفصل من قولك : «إنّ هارون لا يجوز أن يكون شريكا لموسى عليهالسلام في النبوّة إلّا ويلزمه عند غيبته أن يقوم بأمر قومه ؛ لمكان نبوّته وإن لم يستخلفه» ؛ لأنك جوزت هاهنا أن يكون موسى عليهالسلام منفردا بما يقوم به الإمام مضافا إلى الأداء والتبليغ ، ويكون هارون مشاركا في الأداء والتبليغ دون غيره ، وهذا يقتضي حاجته إلى الاستخلاف فيما يقوم به الأئمة.
فإن قلت : إنني لم أطلق ما ذكرتموه وإنما قلت : غير واجب فيمن يكون شريكا لموسى عليهالسلام في النبوّة أن يكون هو القيم بعد وفاته بما يقوم به الإمام.
قلنا : لا فرق بين ما قلته وحكيناه ؛ لأن ما يقوم به الأئمة لو كان من مقتضى النبوّة على ما دلّ كلامك عليه في الفصل الأول لم يجز فيمن كان شريكا لموسى في النبوّة أن يبقى بعده ولا يقوم بذلك مع ثبوت المقتضي الذي هو النبوّة وإذا
__________________
(١) في المغني «ولا يجعل الله».
(٢) المغني ، ٢٠ : ١٦٦ ـ ١٦٧.