أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢)) (١) أنه لم يرد بسؤاله ما نعقله من معنى الوزارة والشركة ، بل أراد غيره من حيث لم يكن لفظ موسى نفسه محكيا.
فأما الإجماع فدلالته أيضا على ما ذكرناه ظاهرة ؛ لأنّه لا خلاف بين الأمّة في أنّ هارون كان خليفة لموسى ونائبا عنه وتابعا لأمره ونهيه ، وظاهر إجماعهم على الاستخلاف والنيابة يقتضي ما تقدّم ذكره ، فأما قوله : «إنه إذا كان شريكه في النبوّة فلا بدّ من أن يلزمه عند غيبته أن يقوم بأمر قومه وإن لم يستخلفه» فغلط ظاهر ؛ لأنه لا ينكر وإن كان شريكا له في النبوّة أن يختصّ موسى عليهالسلام دونه بما تقوم به الأئمة من إقامة الحدود وما جرى مجراها ، لأن مجرد النبوة لا يقتضي هذه الولاية المخصوصة ، وإذا كان هذا جائزا لم يجب أن يقوم هارون عند غيبة أخيه بهذه الأمور لأجل نبوّته ، ولم يكن من الاستخلاف له ليقوم بذلك بدّ ؛ لأنّه لو لم يستخلفه في الابتداء لو استخلف غيره كان جائزا.
فإن قيل : قد بنيتم كلامكم على أنّ الشركة في النبوة لا تقتضي الولاية على ما تقوم به الأئمة وأنّ من الجائز أن ينفرد موسى عليهالسلام بهذه الولاية عن أخيه ، فاعملوا على أن ما ذكرتموه جائز ، من أين لكم القطع على هذه الحال ، وأن هارون إنّما تصرّف فيما يقوم به الأئمّة لاستخلاف موسى له لا لمكان نبوّته.
قلنا : الغرض بكلامنا في هذا الموضع أنّ نبيّن جواز ما ظنّ المخالفون أنّه غير جائز والذي نقطع به على أحد الجائزين هو ما قدّمنا ذكره من دلالة الآية والإجماع.
قال صاحب الكتاب : «وبعد ، فغير واجب فيمن يكون شريكا لموسى في النبوّة أن يكون هو القائم (٢) بعد وفاته بما يقوم به الإمام ، بل لا يمتنع في التعبّد أن يكون النبي منفردا بأداء الشرع وتعليمه وبيانه فقط ، والذي يقوم بالحدود والأحكام والسياسة الراجعة إلى مصالح الدنيا غيره ، كما يروى في أخبار طالوت وداود ، يبيّن ذلك أن القيام بما يقوم به الإمام تعبّد وشرع ، فإذا جاز من
__________________
(١) سورة طه ، الآيات : ٢٩ ـ ٣٢.
(٢) في «المغني» والمخطوطة «القيّم».