على المدينة في وجوب الإمامة فيما بعد ، بل بما بيّناه من مقتضى الخبر ووجه دلالته ، فإن أراد صاحب الكتاب بما ادعاه من سبب الاستخلاف استخلاف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير المؤمنين عليهالسلام على المدينة فقد بيّنا ما فيه ، وإن أراد استخلاف موسى أخاه فقد ذكرنا ما يخصّ هذا الوجه أيضا ، وإن كان عامّا للأول من أن السبب لا يقتضي قصر الكلام عليه.
فأما قوله : «إن الاستخلاف في الغيبة يقتضي أنه خليفة في موضع دون موضع» إلى آخر الفصل ، فلو سلّمنا اختصاص الاستخلاف في الغيبة على ما ادّعاه مع أنه غير واجب لثبت أيضا ما نريده ؛ لأنّه إذا ثبت لهارون بعد أخيه من الإمامة والخلافة وإن كانتا مخصوصتين ما كان ضائرا لما دلّلنا عليه من قبل ، وأوجبه الخبر لأمير المؤمنين عليهالسلام مثل هذه المنزلة ، وصحّ ما نقصده ؛ لأن الأمة مجمعة على أن كل من وجب له بنص الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد وفاته إمامة في بعض المواضع فهو الإمام في جميعها على سبيل العموم ، فلو لم يكن اللفظ يقتضي ما ذكرناه لكان هذا الاعتبار يقتضيه.
وربما سئلنا عن نظير هذا السؤال بأن يقال : إنّ هارون إنّما كان خليفة لموسى على بعض قومه دون بعض ؛ لأنّه كان خليفة له على ما خلفه ولم يستصحبه ، فكيف توجبون بنظير هذه المنزلة الإمامة على جميع الناس.
والجواب عن ذلك ، هو الجواب عن الأول بعينه ، وكل هذا الكلام إنما نتكلّفه إذا كان تعلّقنا باستخلاف موسى لهارون عليهالسلام ، فأمّا إذا ما رجعنا إلى ما تقتضيه نبوّته من فرض الطاعة وعمومها لجميع المواضع ولسائر أمة موسى على الطريقة التي بيّنا فيما سلف لم يلزمنا شيء من كلامه ولم نحتج إلى أكثر ما تكلّفناه معه.
قال صاحب الكتاب : على أنه يقال لهم : إنّ هارون لو عاش بعد موسى لكان الذي يثبت له أن يكون كما كان من قبل ، وقد كان من قبل أن يقوم بهذه الأمور لنبوّته فيجب إذا لم تبطل نبوّته بموت موسى أن يكون له أن يقوم بذلك ،