يمكنكم أن تقولوا : قد استفاد بالموت ما لم يحصل له من قبل إذا كان إنما ثبت له الولاية باستمرار الولاية المتقدّمة ؛ وأما نحن فإنّما أوجبنا الولاية بالموت كما أوجبناها بالغيبة فصحّ لنا ما ذكرناه دونكم ، وعلى هذا الوجه ألزم شيخنا أبو علي من استدلّ بهذا الخبر إثبات إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام في الحال ؛ لأنّه عليهالسلام أثبت المنزلة في الوقت ، وإنّما تثبت فيما بعد على جهة الدّوام والاستمرار لا على وجه التجدّد ، فإذا لم يصحّ كونه إماما في الوقت لما قدّمناه من قبل فكيف يكون إماما من بعد؟ ونحن نعلم أنّه لما خلفه عليهالسلام بالمدينة لم يجز أن يقيم الحدود في غيرها ، ولا بحيث حضره الرسول ولا على الذين كانوا معه عليهالسلام ، فكيف يجوز أن يعد ذلك إمامة ، ولو أن قائلا قال : إنّ الذي ثبت لأمير المؤمنين عليهالسلام بحكم هذا القول الإمارة المخصوصة فيجب بعد وفاته عليهالسلام ، أن يكون أميرا لا إماما [لكان أقرب ، وليس يجب إذا لم يثبت أميرا يجب أن يكون إماما] (١) ؛ لأنّ نفي أحدهما لا يوجب إثبات الآخر ؛ لأن لكل واحد منهما سببا يقتضيه ، يبيّن ذلك أن عندهم أنّ الإمام إذا أمّر أميرا على بلد ثمّ حضرته الوفاة فلم ينصّ عليه فغير واجب أن يكون إماما ، يبيّن ذلك أنه قد يجوز أن يستخلف جماعة ، ولا يجوز عندهم أن ينصّ في الإمامة على جماعة» ثمّ قال : «واعلم أن من تعلّق باستخلافه عليهالسلام في ثبوت الإمامة له بعد موته فهو غير مستدلّ بالخبر ؛ لأن الخبر لو لم يثبت لكان يمكنه التعلّق بذلك [بأن يقول : قد صحّ أنّه عليهالسلام قد استخلفه مطلقا فيجب أن يكون خليفة أبدا ، ولا يجب أن يكون كذلك إلّا وهو إمام بعد وفاته] (٢) وإنّما يكون متعلّقا بالخبر متى احتاج إليه على وجه لولاه لما تمّ استدلاله ، وذلك لا يكون إلّا بأن يبيّن أن من منازل هارون من موسى الإمامة في المعنى أو اللفظ كائنا أو مقدّرا ، ...» (٣).
يقال له : نراك قد خلطت في كلامك هذا بين الكلام على من تعلّق
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ساقط من «المغني».
(٢) التكملة من «المغني».
(٣) المغني ، ٢٠ : ١٦٩.