والآيات على هذا الوجه جائز أن تكون المعجزات دون سائر الأدلة الدالة على الله تعالى ، وجائز أن تكون جميع الأدلة ؛ ويجب على هذا الوجه أن يكون قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) غير راجع إلى قوله تعالى : (سَأَصْرِفُ) ؛ بل إلى ما قدّمنا ذكره لتصحّ الفائدة.
وثامنها : أن يكون الصّرف هاهنا معناه المنع من إبطال الآيات والحجج ، والقدح فيها بما يخرجها عن أن تكون أدلّة وحججا ، فيكون تقدير الكلام : إنّي بما أؤيّد من حججي ، وأحكمه من آياتي وبيّناتي ؛ صارف للمطلبين والمكذّبين عن القدح في الآيات والدّلالات ، ومانع لهم ممّا كانوا لو لا هذا الإحكام والتأييد يعترضونه ويغتنمونه من تمويههم الحقّ ولبسه بالباطل. ويجري هذا مجرى قول أحدنا : قد منع فلان أعداءه بأفعاله الكريمة ، [وطرائقه المهذّبة ، وصرفهم عن ذمّه] ، وأخرس ألسنتهم عن الطعن عليه ؛ وإنّما يريد المعنى الذي ذكرناه.
فإن قيل : أليس في المبطلين من طعن على آيات الله تعالى وأورد الشبهة فيها مع ذلك؟
قلنا : لم يرد الله تعالى الصرف عن الطعن الذي لا يؤثّر ولا يشتبه على من أحسن النظر ، وإنّما أراد ما قدّمناه ، وقد يكون الشيء في نفسه مطعونا عليه ، وإن لم يطعن عليه طاعن ؛ كما قد يكون بريئا من الطعن ، وإن طعن فيه بما لم يؤثّر ؛ ألا ترى أنّ قولهم : فلان قد أخرس أعداءه من ذمّه ليس يراد به أنّه منعهم عن التلفّظ بالذمّ ، وإنّما المعنى أنّه لم يجعل للذم عليه طريقا ومجالا؟ ويجب على هذا الوجه أن يكون قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا) يرجع إلى ما قبله بلا فصل ، ولا يرجع إلى قوله : (سَأَصْرِفُ).
وتاسعها : أنّ الله تعالى لمّا وعد موسى عليهالسلام وأمّته إهلاك عدوّهم قال : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) ، وأراد جلّ وعز أنّه يهلكهم ويصطلمهم ويجتاحهم على طريق العقوبة لهم ؛ بما كان منهم من التكذيب بآيات الله تعالى ، والردّ لحججه ، والمروق عن طاعته ، وبشّر من وعده