وتبليغها ؛ لأنّ من الواجب على الله تعالى أن يحول بين من رام ذلك وبينه ؛ ولا يمكّن منه ؛ لأنّه ينقض الغرض في البعثة. ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١) ؛ فتكون الآيات هاهنا القرآن وما جرى مجراه من كتب الله تعالى التي تحمّلتها الرسل.
والصرف وإن كان متعلقا في الآية بنفس الآيات فقد يجوز أن يكون المعنى متعلّقا [في الآية بنفس الآيات ، فقد يجوز أن يكون المعنى متعلّقا بغيرها] ممّا هو متعلّق بها. فإذا ساغ أن تعلّقه بالثواب والكرامة المستحقّين على التمسّك بالآيات ساغ أن يعلّقه بما يمنع من تبليغها وأدائها وإقامة الحجّة بها. وعلى هذا التأويل لا نجعل قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) راجعا إلى (سَأَصْرِفُ) بل نردّه إلى ما هو قبله بلا فصل ؛ من قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) على ما بيّناه في الوجه الثاني ، من تأويل هذه الآية.
وسادسها : أن يكون الصرف ههنا الحكم والتسمية والشهادة ، ومعلوم أنّ من شهد على غيره بالانصراف عن شيء جاز أن يقال [فيه] : «صرفه عنه» ، كما يقال : [أكفره وكذّبه وفسّقه] ؛ وكما قال جلّ من قائل : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ؛ أي شهد عليها بالانصراف عن الحقّ والهدى ، وكقوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ؛ وهذا التأويل طابقه قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) ؛ لأنّ الحكم عليهم [بما ذكرنا من التسمية يوجب تكذيبهم وغفلتهم] عن آيات الله وإعراضهم عنها.
وسابعها : أنّه تعالى لمّا علم أنّ الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ سينصرفون عن النظر في آياته ، والإيمان بها إذا أظهرها على أيدي رسله عليهمالسلام جاز أن يقول : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) فيريد سأظهر ما ينصرفون بغير اختيارهم عنه. ويجري ذلك مجرى قولهم : سأبخّل فلانا وأخطّئه ، أي أسأله ما يبخل ، ببذله وأمتحنه بما يخطئ فيه ، ولا يكون المعنى : سأفعل فيه البخل والخطأ.
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٦٧.