وإذا [صرفهم عنها فقد صرفها عنهم] ، وكلا اللّفظتين تفيد معنى واحدا. وليس لأحد أن يقول هلّا قال : «سأصرف آياتي عن الذين يتكبرون» ؛ والآيات ههنا هي المعجزات التي تختص بها الأنبياء.
فإن قيل : فأيّ فائدة في قوله على سبيل التعليل : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وأيّ معنى لتخصيصه الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ ، وهو لا يؤتى الآيات والمعجزات إلّا الأنبياء دون غيرهم ، وإن كان ممّن لا يتكبّر؟
قلنا : لخروج الكلام مخرج التعليل على هذا التأويل وجه صحيح ؛ لأنّ من كذّب بآيات الله لا يؤتي معجزاته لتكذيبه وكفره ، وإن كان قد يكون غير مكذّب ، ويمنع من إتيانه الآيات علّة أخرى ؛ فالتكبّر والبغي بغير الحقّ مانع من إتياء الآيات ، وان منع غيره. ويجري هذا مجرى قول القائل : أنا لا أودّ فلانا لغدره ، ولا يلزم إذا لم يكن غادرا أن يودّه ، لأنّه ربّما خلا من الغدر وحصل على صفة أخرى تمنع من مودّته.
ويجوز أيضا أن تكون الآية خرجت على ما يجري مجرى السبب ، وأن يكون بعض الجهّال في ذلك العصر اعتقد جواز ظهور المعجزات على يد الكفّار المتكبّرين ، فأكذبهم الله تعالى بذلك.
ورابعها : أن يكون المراد بالآيات العلامات التي يجعلها الله تعالى في قلوب المؤمنين ؛ ليدلّ بها الملائكة على الفرق بين المؤمن والكافر ، فيفعلوا بكلّ واحد منهما ما يستحقّه من التعظيم والاستخفاف ، كما تأوّل أهل الحق الطبع والختم الذين ورد بهما القرآن على أنّ المراد بهما العلامة المميّزة بين الكافر والمؤمن ؛ فيكون سأصرفه عنها ، أي أعدل بها عنهم ، وأخصّ بها المؤمنين المصدّقين بآياتي وأنبيائي. وهذا التأويل يشهد له أيضا قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) ؛ لأنّ صرفهم عن هذه الآيات كالمستحقّ لتكذيبهم وإعراضهم عن آياته تعالى.
وخامسها : أن يريد تعالى : إنّي أصرف من رام المنع من أداء آياتي