حيث كانت وصلة إلى الرّشد ، وذريعة إلى حصوله ، ويكون سبيل الغيّ هو الشبهات والمخاريق التي ينصبها المبطلون والمدغلون في الدين ؛ ليوقعوا بها الشبهة على أهل الإيمان ، وتسمّى سبيلّ الغيّ ، وإن كان النظر فيها لا يوجب حصول الغيّ من حيث كان المعلوم ممّن تشاغل بها ، واغترّ بأهلها أنّه يصير إلى الغيّ.
والوجه الثاني : أن يكون المراد بالرؤية العلم ؛ إلّا أنّ العلم لا يتناول كونها سبيلا للرّشد ، وكونها سبيلا للغيّ ؛ بل يتناولها لا من هذا الوجه ؛ ألا ترى أنّ كثيرا من المبطلين يعلمون مذاهب أهل الحق واعتقاداتهم وحججهم ؛ إلّا أنهم يجهلون كونها صحيحة مفضية إلى الحقّ ، فيتجنبونها ؛ وكذلك يعلمون مذاهب المبطلين واعتقاداتهم الباطلة الفاسدة ، إلّا أنّهم يجهلون كونها باطلة ، ويعتقدون صحّتها بالشبهة فيصيرون إليها؟ وعلى هذا الوجه لا يجب أن يكون الله تعالى وصفهم بالغيّ وترك الحقّ مع العلم به.
والوجه الثالث : أن يكونوا عالمين بسبيل الرشد والغيّ ، ومميّزين بينهما ؛ إلّا أنّهم للميل إلى أعراض الدنيا ، والذّهاب مع الهوى والشبهات يعدلون عن الرشد إلى الغيّ ، ويجحدون ما يعلمون ، كما أخبر بها عن كثير من أهل الكتاب بأنّهم يجحدون الحقّ وهم يعلمونه ويستيقنونه.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) ، والتكذيب لا يكون في الحقيقة إلّا في الأخبار دون غيرها؟
قلنا : التكذيب قد يطلق في الأخبار وغيرها ؛ ألا ترى أنّهم يقولون : «فلان يكذّب بكذا» إذا كان يعتقد بطلانه ، كما يقولون : يصدّق بكذا وكذا إذا كان يعتقد صحّته؟ ولو صرفنا التكذيب هاهنا إلى أخبار الله تعالى التي تضمّنتها كتبه الواردة على أيدي رسله عليهمالسلام جاز ؛ وتكون الآيات هاهنا هي الكتب المنزّلة دون سائر المعجزات.
فإن قيل : فما معنى ذمّه تعالى لهم بأنّهم كانوا عن آياتنا غافلين ، والغفلة