وحكى الساجي أنّ عبد الله بن الزبير قضى أيضا بذلك ، وحكى الطبري مثله (١) ، ورويت موافقة ابن عبّاس عن إبراهيم النخعي في رواية الأعمش عنه ، وذهب داود بن علي الأصفهاني إلى مثل ما حكيناه ولم يجعل الأخوات عصبة مع البنات (٢) ، فبطل ادّعاء الإجماع مع ثبوت الخلاف متقدّما ومتأخّرا ، والذي يدلّ على صحّة مذهبنا وبطلان مذهب مخالفينا في العصبة بعد إجماع الطائفة الذي قد بيّنا أنّه حجّة ، قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) وهذا نصّ في موضع الخلاف ؛ لأنّ الله تعالى صرّح بأنّ للرجال من الميراث نصيبا ، وأنّ للنساء أيضا نصيبا ولم يخصّ موضعا دون موضع ، فمن خصّ في بعض المواريث بالميراث الرجال دون النساء فقد خالف ظاهر هذه الآية.
وأيضا توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربى والدرجة من أحكام الجاهلية ، وقد نسخ الله تعالى بشريعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أحكام الجاهلية ، وذمّ من أقام عليها واستمرّ على العمل بها بقوله : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) (٣) وليس لهم أن يقولوا : إنّنا نخصّص الآية التي ذكرتموها بالسنة ، وذلك أنّ السنة التي لا تقتضي العلم القاطع لا يخصّص بها القرآن ، كما لا ينسخه بها ، وإنّما يجوز بالسنة أن يخصّص وينسخ إذا كانت تقتضي العلم اليقين ، ولا خلاف في أن الأخبار المروية في توريث العصبة أخبار آحاد لا توجب علما ، وأكثر ما يقتضيه غلبة الظنّ ، على أنّ أخبار التعصيب معارضة بأخبار كثيرة ترويها الشيعة (٤) من طرق مختلفة في إبطال أن يكون الميراث بالعصبة ، وأنّه بالقربى والرحم ، وإذا تعارضت الأخبار رجعنا إلى ظواهر الكتاب.
فاعتماد المخالفين في العصبة على حديث رواه ابن طاوس ، عن أبيه ، عن
__________________
(١) المحلّى ، ٩ : ٢٥٦.
(٢) بداية المجتهد ، ٢ : ٢٧٢.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٥٠.
(٤) الوسائل ، ١٧ : ٤٣١.