وقال الآخر :
فدى لك ناقتي وجميع أهلي |
|
ومالي إنّه منه أتاني (١) |
ولم يقل منك أتاني.
فإن قيل : كيف يكنى عمّن لم يتقدّم له ذكر؟.
قلنا : لا يمتنع ذلك ،
قال الله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٢) ولم يتقدّم للشمس ذكر ،
وقال الشاعر :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما وضاق بي الصدر |
ولم يتقدّم للنفس ذكر.
والشواهد على هذا المعنى كثيرة جدا ، على أنّه قد تقدّم ذكر ولد آدم عليهالسلام ، وتقدّم أيضا ذكرهم في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ومعلوم أنّ المراد بذلك جميع ولد آدم عليهالسلام. وتقدّم أيضا ذكرهم في قوله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) ؛ لأنّ المعنى أنّه لما أتاهما ولدا صالحا ، والمراد بذلك الجنس ، وإن كان اللفظ لفظ وحدة. وإذا تقدم مذكوران وعقبا بأمر لا يليق بأحدهما ، وجب أن يضاف إلى من يليق به. والشرك لا يليق بآدم عليهالسلام ، فيجب أن ننفيه عنه ، وإن تقدّم ذكره وهو يليق بكفّار ولده ونسله فيجب أن نعلّقه بهم (٣).
وذكر أبو علي الجبائي في هذا ما نحن نورده على وجهه. قال «إنّما عنى [الله له تعالى بهذا أنّه تعالى خلق بني آدم] من نفس واحدة ؛ لأنّ الاضمار في قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ) إنّما عنى به بني آدم عليهالسلام والنفس الواحدة الّتي خلقهم
__________________
(١) في الأمالي ، ٢ : ٢٠١ «فدى لك يا فتى وجميع أهلي».
(٢) سورة ص ، الآية : ٣٢. هذا على بعض المباني كما سيأتي في سورة ص ذيل هذه الآية.
(٣) تنزيه الأنبياء : ٢٩ إلى ٣١.