منها هي آدم ؛ لأنّه خلق حوّاء من آدم ويقال : إنّه تعالى خلقها من ضلع من أضلاعه ويقال : من طينته فرجعوا جميعا إلى أنّهم خلقوا من آدم عليهالسلام ، وبيّن ذلك بقوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ؛ لأنّه عنى به أنّه خلق من هذا النفس زوجها وزوجها هو حواء عليهاالسلام.
وعنى بقوله تعالى : (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) وحملها هو حبلها منه في ابتداء الحمل ؛ لأنّه في ذلك الوقت خفيف عليها.
وعنى بقوله تعالى : (فَمَرَّتْ بِهِ) أنّ مرورها بهذا الحمل وتصرفها به كان عليها سهلا لخفته ؛ فلما كبر الولد في بطنها ثقل ذلك عليها ، فهو معنى قوله : (أَثْقَلَتْ) وثقل عليها عند ذلك المشي والحركة.
وعنى بقوله تعالى (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) أنّهما دعوا عند كبر الولد في بطنها فقالا : لئن آتيتنا يا رب نسلا صالحا لنكوننّ من الشاكرين لنعمتك علينا ؛ لأنّهما أراد أن يكون لهما أولاد تؤنسهما في الموضع الّذي كانا فيه ؛ لأنّهما كانا فردين مستوحشين إذا غاب أحدهما بقي الآخر مستوحشا بلا مؤنس فلمّا آتاهما نسلا صالحا معافى وهم الأولاد الّذين كانوا يولدون لهما ؛ لأنّ حواء عليهاالسلام كانت تلد في كلّ بطن ذكرا وأنثى فقال إنها ولدت في خمسمائة بطن ألف ولد.
وعنى بقوله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) [أي أن هذا النسل الصالح الذي هم ذكر وأنثى جعلا له شركاء فيما آتاهما] من نعمة وأضاف بعد تلك النعم إلى الّذين اتخذوهم آلهة مع الله تعالى من الأصنام والأوثان ولم يعن بقوله تعالى : (جَعَلا) آدم وحوّاء عليهماالسلام ؛ لأنّ آدم لا يجوز عليه الشرك ؛ لأنّه نبي من أنبيائه ، ولو جاز الشرك والكفر على الأنبياء لما جاز أن يثق أحدنا بما يؤديه النبيّ عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى عزوجل ؛ لأنّ من جاز عليه الكفر جاز عليه الكذب ومن جاز عليه الكذب لم يؤخذ بأخباره ، فصحّ بهذا أنّ الاضمار في قوله تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) إنّما يعنى به النسل ، وإنّما ذكر ذلك على سبيل التثنية ؛ لأنّهم كانوا ذكرا وأنثى ، فلما كانوا صنفين جاز أن يجعل تعالى اخبار عنهما كالاخبار عن الاثنين إذ كانا صنفين.