وقد دلّ على صحّة تأويلنا هذا قوله تعالى في آخر الآية : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فبيّن عزوجل أن الذين جعلوا للله شركاء هم جماعة ، فلهذا جعل إضمارهم إضمار الجماعة فقال : (يُشْرِكُونَ) ؛ مضى كلام أبي عليّ.
وقد قيل في قوله تعالى (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) مضافا إلى الوجه المتقدّم ـ الّذي هو أنّه أراد بالصلاح الاستواء في الخلقة والاعتدال في الأعضاء ـ وجه آخر وهو أنه لو أراد الصلاح في الدين لكان الكلام أيضا مستقيما ؛ لأنّ الصالح في الدين قد يجوز أن يكفر بعد صلاحه فيكون في حال صالحا وفي آخري مشركا وهذا لا يتنافى (١).
ومنها : ما ذكره أبو مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني (٢) ، فإنّه يحمل الآية على أنّ الكناية في جميعها غير متعلّقة بآدم وحوّآء عليهماالسلام ، فيجعل الهاء في «تغشّئها» والكناية في (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) و (آتاهُما صالِحاً) راجعين إلى من أشرك. ولم يتعلّق بآدم عليهالسلام من الخطاب إلّا قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) قال : والإشارة في قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) إلى الخلق عامة ، وكذلك قوله : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ثمّ خصّ منها بعضهم ، كما قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) (٣) فخاطب الجماعة بالتسيير في البرّ والبحر ، ثمّ خصّ راكب البحر بقوله تعالى : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) كذلك هذه الآية أخبرت عن جملة أمر البشر بأنّهم مخلوقون من نفس واحدة وزوجها ، وهما آدم وحوّاء ثم عاد الذكر إلى الّذي سأل الله تعالى ما سأل فلمّا أعطاه إيّاه ، إدّعى له الشركاء في عطيته.
قال وجائز أن يكون عنى بقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) المشركين ؛ خصوصا إذا كان كلّ بني آدم مخلوقا من نفس واحدة وزوجها.
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ١٩٩ إلى ٢٠١.
(٢) كاتب ، متكلّم ، مفسّر ، محدّث ، نحوي ، شاعر ، من مؤلّفاته جامع التأويل لمحكم التنزيل على مذهب المعتزلة ، ولد سنة : ٢٥٤ وتوفّي سنة : ٣٣٢. انظر : معجم الأدباء ، ١٨ : ٣٥.
(٣) سورة يونس ، الآية : ٢٢.