ويجوز أن يكون المعنى في قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) خلق كلّ واحد منكم من نفس واحدة ؛ وهذا قد يجئ كثيرا في القرآن وفي كلام العرب :
قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (١) والمعنى فاجلدوا كلّ واحد منهم ثمانين جلدة (٢).
وقال عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) (٣) فلكلّ نفس زوج وهو منها أي من جنسها.
(فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي تغشّي كلّ نفس زوجها حملت حملا خفيفا وهو ماء الفحل فمرّت به أي مارت ، والمور : التردّد ؛ والمراد تردّد هذا الماء في رحم هذه الحامل «فلمّا أثقلت» أي ثقل حملها ؛ أي بمصير ذلك الماء لحما ودما وعظما «دعوا الله» أي الرجل والمرأة لمّا استبان حمل المرأة فقالا : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) ذلك إلى شركاء معه (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٤) وهذا الوجه يقارب الوجه الأوّل في المعنى وإن خالفه في الترتيب (٥).
ومنها : أن تكون الهاء في قوله : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) راجعة إلى الولد لا إلى الله تعالى ، ويكون المعنى أنّهما طلبا من الله تعالى أمثالا للولد الصالح ، فشركا بين الطلبتين. ويجري هذا القول مجرى قول القائل : «طلبت مني درهما فلمّا أعطيتك شركته بآخر» ، أي طلبت آخر مضافا إليه ؛ فعلى هذا الوجه لا يمتنع أن تكون الكناية من أوّل الكلام إلى آخره راجعة إلى آدم وحوّاء عليهماالسلام.
فإن قيل : فأيّ معنى على هذا الوجه لقوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) وكيف يتعالى الله عن أن يطلب منه ولد بعد آخر.
قلنا : لم ينزّه الله تعالى نفسه عن هذا الإشراك ، وإنّما نزّهها عن الاشراك
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٤.
(٢) تنزيه الأنبياء ، الآية : ٣١.
(٣) سورة الروم ، الآية : ٢١.
(٤) الأمالي ، ٢ : ٢٠٢.
(٥) تنزيه الأنبياء : ٣٢.