به ، وليس يمتنع أن ينقطع هذا الكلام عن حكم الأوّل ، ويكون غير متعلّق به ؛ لأنّه تعالى قال : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (١) فنزّه نفسه تعالى عن هذا الشرك دون ما تقدّم ، وليس يمتنع انقطاع اللفظ في الحكم عمّا يتصّل به في الصورة ، وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب (٢) ؛ لأنّ من عادة العرب أن يراعوا الألفاظ أكثر من مراعاة المعاني ، فكأنّه تعالى لمّا قال جعلا له شركاء فيما آتاهما ، وأراد الاشتراك في طلب الولد ، جاء بقوله تعالى (عَمَّا يُشْرِكُونَ) على مطابقة اللفظ الأوّل ، وإن كان الثاني راجعا إلى الله تعالى ، لأنّه يتعالى عن اتّخاذ الولد وما أشبهه. ومثله قول النبيّ قد سئل عن العقيقة فقال : «لا أحبّ العقوقة ، ومن شاء منكم أن يعقّ عن ولده فليفعل» (٣). فطابق اللفظ وإن اختلف المعنيان وهذا كثير في كلامهم.
فأمّا ما يدّعي في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت إليه ، لأنّ الأخبار يجب أن تبنى على أدلّة العقول ، ولا نقبل في خلال (٤) ما تقتضيه أدلّة العقول. ولهذا لا تقبل أخبار الجبر والتشبيه ، ونردّها أو نتأولها إن كان لها مخرج سهل ، وكلّ هذا لو لم يكن الخبر الوارد مطعونا على سنده مقدوحا في طريقه ؛ فإنّ هذا الخبر يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع ؛ لأنّ الحسن لم يسمع من سمرة شيئا في قول البغداديين. وقد يدخل الوهن على هذا الحديث من وجه آخر ؛ لأنّ الحسن نفسه يقول بخلاف هذه الرواية فيما رواه خلف بن سالم عن إسحاق بن يوسف عن عوف عن الحسن في قوله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) قال هم المشركون. وبإزاء هذا الحديث ما روي عن
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٩١.
(٢) في نسخة زيادة هكذا ، قال الشريف المرتضى في قوله تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فائدة : إذا كان الثاني غير الأوّل ؛ لأنّ من عادة ، الخ.
(٣) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ١٩٤ وفيه «لا أحبّ العقوق ، ومن ولد له مولد فأحبّ أن ينسك فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة».
(٤) كذا في المطبوعة.