نعلم أنّه تعالى لو لم يكلّف العاقل مع ما فيه من الشهوات والنفار لم يكن له عن القبيح مانع ؛ ولا عن مواقعته رادع ؛ فكأنّ التكليف حائل بينه وبينه ؛ من حيث زجر عن فعله ، وصرف عن مواقعته ؛ وليس يجب في الحائل أن يكون في كلّ موضع ممّا يمتنع معه الفعل ؛ لأنّا نعلم أن المشير منّا على غيره في أمر كان قد همّ به وعزم على فعله أن يجتنبه ، والمنبّه له على أنّ الحظّ في الانصراف عنه يصحّ أن يقال : منعه وحال ، بينه وبين فعله ، قال عبيد الله بن قيس الرقيات (١) :
حال دون الهوى ودو |
|
ن سرى اللّيل مصعب |
وسياط على أك |
|
فّ رجال تقلّب |
ونحن نعلم أنّه لم يحل إلّا بالتخويف والترهيب دون غيرهما.
فإن قيل : كيف يطابق هذا الوجه صدر الآية؟
قلنا : وجه المطابقة ظاهر ، لأنّه تعالى أمرهم بالاستجابة لله تعالى ولرسوله فيما يدعوان إليه من فعل الطاعات ، والامتناع من المقبّحات ، وأعلمهم أنّه بهذا الدعاء والإنذار وما يجري مجراها يحول بين المرء وبين ما تدعوه إليه نفسه من المعاصي ؛ ثمّ إنّ المآب بعد هذا كلّه إليه والمنقلب إلى ما عنده ؛ فيجازي كلّا باستحقاقه.
فأمّا قوله تعالى : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ففيه وجوه :
أوّلها : أن يريد بذلك الحياة في النعيم والثواب ، لأنّ تلك هي الحياة الدائمة الطيبة التي يؤمن من تغيّرها ، ولا يخاف انتقالها ، فكأنّه تعالى حثّ على إجابته التي تكسب هذه الحال.
وثانيها : أنّه يختصّ ذلك بالدعاء إلى الجهاد وقتال العدوّ ، فكأنّه تعالى أمرهم بالاستجابة للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما يأمرهم به من قتال عدوّهم ؛ ودفعهم عن حوزة الإسلام وأعلمهم أنّ ذلك يحيهم من حيث كان فيه قهر للمشركين ، وتقليل
__________________
(١) حاشية بعض النسخ : «كان جده شاعرا يشبب بجماعة من النساء ، اسم كل واحدة منهن رقية ؛ فأضيف إليهن».