لعددهم ، وفلّ لحدّهم ؛ وحسم لأطماعهم ، لأنّهم متى كثروا وقووا استلانوا جانب المؤمنين ؛ وأقدموا عليهم بالقتل وصنوف المكاره ؛ فمن هاهنا كانت الاستجابة له صلىاللهعليهوآلهوسلم في القتال تقتضي الحياة والبقاء ؛ ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١).
وثالثها : ما قاله قوم من أنّ كلّ طاعة حياة ، ويوصف فاعلها بأنّه حيّ ، كما أنّ المعاصي يوصف فاعلها بأنّه ميت ، والوجه في ذلك أنّ الطائع لمّا كان منتفعا بحياته ، وكانت تؤديه إلى الثواب الدائم قيل : إنّ الطاعة حياة ؛ ولمّا كان الكافر العاصي لا ينتفع بحياته ؛ من حيث كان مصيره إلى العقاب الدائم كان في حكم الميّت ؛ ولهذا يقال لمن كان منغّص الحياة ، غير منتفع بها ؛ فلان بلا عيش ولا حياة ، وما جرى مجرى ذلك من حيث لا ينتفع بحياته.
ويمكن في الآية وجه آخر : وهو أن يكون المراد بالكلام الحياة في الحكم لا في الفعل ؛ لأنّا قد علمنا أنّه عليهالسلام كان مكلّفا مأمورا بجهاد جميع المشركين المخالفين لملّته وقتلهم ، وإن كان فيما بعد كلّف ذلك فيمن عدا أهل الذمة على شروطها ؛ فكأنّه تعالى قال : فاستجيبوا للرسول ولا تخالفوه ، فإنّكم إذا خالفتم كنتم في الحكم غير أحياء ، من حيث تعبّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بقتالكم وقتلكم ، فإذا أطعتم كنتم في الحكم أحياء ؛ ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٢) ؛ وإنّما أراد تعالى أنّه يجب أن يكون آمنا ؛ وهذا حكمه ، ولم يخبر بأنّ ذلك لا محالة واقع.
فأمّا المجبّرة فلا شبهة لهم في الآية ، ولا متعلّق بها ؛ لأنّه تعالى لم يقل : إنّه يحول بين المرء وبين الإيمان ، بل ظاهر الآية لا يقتضي أنّه يحول بينه وبين أفعاله ، وإنّما يقتضي ظاهرها أنّه يحول بينه وبين قلبه ؛ وليس للإيمان ولا للكفر ذكر ، ولو كان للآية ظاهر يقتضي ما ظنّوه ـ وليس لها ذلك ـ لانصرفنا عنه بأدلة
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٧٩.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٩٧.