والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه في هذه المسألة إجماع الطائفة ، وقد بيّنا أنه حجّة.
ويمكن أن يستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ، فدلّ على أن من هو أولى بالرحم وأقرب به أولى بالميراث. وقد علمنا أن قرابة الميّت وذوي رحمه أولى بميراثه من المسلمين وبيت المال ، وأصحاب السهام أيضا غير الزوج والزوجة أقرب إلى الميّت من عصبته فوجب أن يكون فاضل السهام إليهم مصروفا.
فإن قيل : لم يقع التصريح في الآية بأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في الميراث.
قلنا : اللفظ يحتمل الميراث وغيره فنحمله بحكم العموم على جميع ما يحتمله ، ومن ادّعى التخصيص فعليه الدليل ، وممّا يمكن أن يعارض به الخصوم في رواياتهم التي يتأولونها وتوجد في كتبهم ما رووه عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «المرأة تحوز ميراث ثلاثة عتيقها ولقيطها وولدها» (١) ، فأخبر أنها تحوز جميع ميراث بنيها ، ولا يجوز جميعه إلّا بالرد عليها دون التسمية ...
واحتج المخالف لنا في الرد بقوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) (٢) فجعل للأخت النصف إذا مات أخوها ولا ولد له ولم يردها عليه ، فدلّ على أنها لا تستحقّ أكثر من النصف بحال من الأحوال.
والجواب عن ذلك أن النصف إنّما وجب لها بالتسمية ، ولأنها أخت والزيادة إنّما تأخذها لمعنى آخر وهو للرد بالرحم ، وليس يمتنع أن ينضاف سبب إلى آخر ، مثال ذلك : الزوج إذا كان ابن عم ولا وارث معه فإنه يرث النصف بالزوجية والنصف الآخر عندنا لأجل القرابة ، وعند مخالفينا لأجل العصبة ، ولم يجب إذا كان الله تعالى قد سمى النصف مع فقد الولد أن لا يزاد عليه بسبب آخر (٣).
__________________
(١) سنن ابن ماجة ، ٢ : ٩١٦ ح ٢٧٤٢.
(٢) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.
(٣) الانتصار : ٢٨٩.