ينبت في الرمل تستظلّ بظلالة الظباء من الحرّ ، وتأوي إليه ، قال الشماخ :
إذا الأرطى توسّد أبرديه |
|
خدود جوازيء بالرّمل عين (١) |
وقوله : «قالا» من القيلولة لا من القول ، على أن قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) كما يدلّ على الرحمة يدلّ أيضا على «أن يرحم» ، فإذا جعلنا الكناية بلفظة «ذلك» عن أن يرحم كان التذكير في موضعه ؛ لأنّ الفعل مذكر ، ويجوز أيضا أن يكون قوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) كناية عن اجتماعهم على الإيمان ، وكونهم فيه أمة واحدة ؛ ولا محالة أنّه لهذا خلقهم ؛ ويطابق هذه الآية قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٢).
وقد قال قوم في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) معناه أنّه لو شاء أن يدخلهم أجمعين الجنّة ، فيكونوا في وصول جميعهم إلى النعيم أمة واحدة ، وأجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٣) في أنّه أراد : هداها إلى طريق الجنّة ، فعلى هذا التأويل أيضا يمكن أن ترجع لفظة «ذلك» إلى إدخالهم أجمعين إلى الجنّة ، لأنّه إنّما خلقهم للمصير إليها والوصول إلى نعيمها.
فأمّا قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) فمعناه الاختلاف في الدين والذهاب عن الحقّ فيه بالهوى والشبهات.
وذكر أبو مسلم محمد بن بحر في قوله : (مُخْتَلِفِينَ) وجها غريبا : وهو أن يكون معناه أن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر ، لأنّه سواء قولك : خلف بعضهم بعضا ، وقولك : اختلفوا ، وسواء قولك : قتل بعضهم بعضا ، واقتتلوا ؛ ومنه قولهم : لا أفعل كذا ما اختلف العصران والجديدان ، أي جاء كلّ واحد منهما بعد الآخر.
فأمّا الرحمة فليست رقّة القلب كما ظنّه السائل ، لكنّه فعل النعم والإحسان ،
__________________
(١) ديوانه : ٩٤.
(٢) سورة الذاريات ، الآية : ٥٦.
(٣) سورة السجدة ، الآية : ١٣.