يريد ما ذكرناه من السهولة والخفّة. [وعلى هذا الجواب لا يمتنع أن يكون إنّما عنى فعلهم به دون فعله ؛ لأنّه لم يخبر عن نفسه بالمحبّة التي هي الارادة وانّما وضع أحب موضع أخف والمعصية قد تكون أهون وأخف من أخرى] (١).
والوجه الآخر : أنّه أراد أنّ توطيني نفسي وتصبيري لها على السجن أحبّ إليّ من مواقعة المعصية.
فإن قيل : هذا خلاف الظاهر لأنّه مطلق وقد أضمرتم فيه.
قلنا : لا بدّ من مخالفة الظاهر ؛ لأنّ السجن نفسه لا يجوز أن يكون مرادا ليوسف عليهالسلام وكيف يريده وإنّما السجن البنيان المخصوص ، [وإنّما يريد الفعل فيها ، والمتعلّق بها ؛ والسجن نفسه ليس بطاعة ولا معصية وإنّما الأفعال فيه قد تكون طاعات ومعاصي بحسب الوجوه التي يقع عليها ، وإدخال القوم يوسف الحبس ، أو اكراههم له على دخوله معصية منهم ، وكونه فيه وصبره على ملازمته ، والمشاق التي تناله باستيطانه كان طاعة منه وقربة وقد علمنا ان ظالما لو أكره مؤمنا على ملازمة بعض المواضع ، وترك التصرّف في غيره لكان فعل المكره حسنا وان كان فعل المكره قبيحا] (٢).
وإنّما يكون الكلام ظاهره يخالف ما قلناه ، إذا قرئ : ربّ السّجن «بفتح السين» وإن كانت هذه القراءة أيضا محتملة للمعنى الّذي ذكرناه ، فكأنّه أراد أنّ سجني نفسي عن المعصية أحبّ إليّ من مواقعتها ، فرجع معنى السجن إلى فعله دون افعالهم ، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ، فليس للمخالف أن يضمر في الكلام انّ كوني في السجن وجلوسي فيه أحبّ إليّ ، بأولى ممّن أضمر ما ذكرنا ؛ لأنّ كلا الأمرين يعود إلى السجن ويتعلّق به.
[وليس لهم أن يقدروا ما يرجع إلى الحابس من الأفعال إلّا ولنا أن نقدر ما يرجع إلى المحبوس ، وإذ احتمل الكلام الأمرين ، ودلّ الدليل على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يجوز أن يريد المعاصي والقبائح اختصّ المحذوب المقدّر بما
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٦٢.
(٢) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٦٤.