فأمّا الواجب : فهو أن يعلم المتولّي ، أو يغلب على ظنّه بأمارات لائحة ، أنّه يتمكّن بالولاية من إقامة حقّ ، ودفع باطل ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر.
ولولا هذه الولاية لم يتمّ شيء من ذلك ، فيجب عليه الولاية بوجوب (١) ما هي سبب إليه ، وذريعة إلى الظفر به.
وأمّا ما يخرج إلى الالجاء ، فهو أن يحمل على الولاية بالسيف ، ويغلب في ظنّه أنّه متى لم يجب إليها سفك دمه ، فيكون بذلك ملجأ إليها.
فأمّا المباح منها : فهو أن يخاف على مال له ، أو من مكروه يقع [به] يتحمّل مثله ، فتكون الولاية مباحة بذلك ويسقط عنه قبح الدخول فيها. ولا يلحق بالواجب ؛ لأنّه إن آثر تحمّل الضرر في ماله والصبر على المكروه النازل به ولم يتوّل ، كان ذلك أيضا له.
فإن قيل : كيف تكون الولاية من قبل الظالم حسنة؟ فضلا عن واجبة ، وفيها وجه القبح ثابت ، وهو كونها ولاية من قبل الظالم ، ووجه القبح إذا ثبت في فعل كان الفعل قبيحا وإن حصلت فيه وجوه حسن. ألا ترى أنّ الكذب لا يحسن وإن اتفقت فيه منافع دينية كالألطاف (٢) تقع عندها الإيمان وكثيرا من الطاعات؟
قلنا : غير مسلّم أنّ وجه القبح في الولاية للظالم هو كونها ولاية من قبلها ، وكيف يكون ذلك؟! وهو لو أكره بالسيف على الولاية لم تكن منه قبيحة ، فكذلك إذا كان فيها توصّل إلى إقامة حقّ ودفع باطل يخرج عن وجه القبح.
ولا يشبه ذلك ما يعترض في الكذب ممّا لا يخرجه عن كونه قبيحا ؛ لأنّا قد علمنا بالعقل وجه قبح الكذب ، وأنّه مجرّد كونه كذبا ؛ لأنّ هذه جهة عقلية يمكن أن يكون العقل طريقا إليها.
وليس كذلك الولاية من قبل الظالم ؛ لأنّ وجه قبح ذلك في الموضع الذي يقبح فيه شرعي ، فيجب أن نثبته قبيحا في الموضع الذي جعله الشرع كذلك.
__________________
(١) في المطبوع : لوجوب.
(٢) في المطبوع : بألطاف.