وإذا كان الشرع قد أباح التولّي من قبل الظالم مع الاكراه ، وفي الموضع الذي فرضنا أنّه متوصّل به إلى إقامة الحقوق والواجبات ، علمنا أنّه لم يكن وجه القبح في هذه الولاية مجرّد كونها ولاية من جهة ظالم ، وقد علمنا أنّ إظهار كلمة الكفر لمّا كانت تحسن مع الاكراه ، فليس وجه قبحها مجرّد النطق بها وإظهارها بل بشرط الإيثار.
وقد نطق القرآن بأنّ يوسف عليهالسلام تولّى من قبل العزيز وهو ظالم ، ورغب إليه في هذه الولاية ، حتى زكى نفسه فقال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ، ولا وجه لحسن ذلك إلّا ما ذكرناه من تمكّنه بالولاية من إقامة الحقوق التي كانت يجب عليه إقامتها (١).
وبعد : فليس التولّي من جهة الفاسق أكثر من اظهار طلب الشيء من جهة لا يستحقّ منها وبسبب لا يوجبه.
وقد فعل ماله هذا المعنى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ؛ لأنّه دخل في الشورى تعرّضا للوصول إلى الإمامة ، وقد علم أنّ تلك الجهة لا يستحقّ من مثلها التصرّف في الإمامة ، ثم قبل اختيار المختارين له عند افضاء الأمر إليه وأظهر أنّه صار إماما باختيارهم وعقدهم. وهذا له معنى التولّي من قبل الظالم بعينه للإشتراك في اظهار التوصّل إلى الأمر بما لا يستحقّ به ولا هو موجب لمثله.
لكنّا نقول : إنّ التصرف في الامامة كان إليه بحكم النصّ من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أمته ، فإذا دفع عن مقامه وظنّ أنّه ربّما توصل إلى الإمامة بأسباب وضعها الواضعون لا تكون الإمامة مستحقّة بمثلها ، جاز بل وجب أن يدخل فيها ويتوصّل بها (٢) حتى إذا وصل إلى الامامة ، كان تصرّفه فيها بحكم النصّ لا
__________________
(١) [قال في تنزيه الأنبياء : ٨٩ في جواب من قال :] وكيف يجوز أن يطلب الولاية من قبل الظالمين؟ الجواب : قلنا : إنّما التمس تمكينه من خزائن الأرض ليحكم فيها بالعدل وليصرفها إلى مستحقّها. وكان ذلك له من غير ولاية ، وإنّما سأل الولاية للتمكّن من الحقّ الّذي له أن يفعله. ولمن لا يتمكّن من إقامة الحقّ أو الأمر بالمعروف أن يتسبّب إليه ويتّصل إلى فعله ، فلا لوم في ذلك على يوسف عليهالسلام ولا حرج.
(٢) في المطبوع : إليه.