بحكم هذه الأسباب العارضة. ويجري ذلك مجرى من غصب على وديعة وحيل بينه وبينها وأظهر غاصبها أنّه يهبها لصاحبها ، فانّه يجوز لصاحب الوديعة أن يتقبّل في الظاهر هذه الوديعة ويظهر أنّه قبضها على جهة الهبة ، ويكون تصرّفه حينئذ فيها بحكم الملك الأوّل لا عن جهة الهبة.
وعلى هذا الوجه يحمل تولي أمير المؤمنين لجلد الوليد بن عقبة.
ولم يزل الصالحون والعلماء يتولّون في أزمان مختلفة من قبل الظلمة لبعض الأسباب التي ذكرناها ، والتولّي من قبل الظلمة إذا كان فيه ما يحسنه ممّا تقدّم ذكره ، فهو على الظاهر من قبل الظالم ، وفي الباطن من قبل أئمة الحقّ ؛ لأنّهم إذا أذنوا في هذه الولاية عند الشروط التي ذكرناها فتولّاها بأمرهم فهو على الحقيقة وال من قبلهم ومتصرّف بأمرهم.
ولهذا جاءت الرواية الصحيحة بأنّه يجوز لمن هذه حاله أن يقيم الحدود ويقطع السرّاق ، ويفعل كل ما اقتضت الشريعة فعله من هذه الأمور.
فإن قيل : أليس هو بهذه الولاية معظما (١) للظالم ومظهرا فرض طاعته ، وهذا وجه قبيح لا محالة ، كان غنيا عنه لو لا الولاية.
قلنا : الظالم إذا كان متغلّبا على الدين ، فلا بدّ لمن هو في بلاده وعلى الظاهر من جملة رعيته ، من إظهار تعظيمه وتبجيله والانقياد له على وجه فرض الطاعة ، فهذا المتولّي من قبله لو لم يكن متولّيا لشيء ، لكان لا بدّ له من التغلّب معه ، مع إظهار جميع ما ذكرناه من فنون التعظيم للتقيّة والخوف ، فليس يدخله الولاية في شيء من ذلك لم يكن يلزمه لو لم يكن واليا ، وبالولاية يتمكّن من أمر بمعروف ونهي عن منكر ، فيجب أن يتوصّل بها إلى ذلك.
فإن قيل : أرأيتم لو غلب على ظنّه أنّه كما يتمكّن بالولاية من أمر ببعض المعروف ونهي عن بعض المنكر ؛ فانّه يلزم لأجل هذه الولاية أفعالا وأمورا منكرة قبيحة ـ لو لا هذه الولاية لم تلزمه ـ لا يتمكّن من الكفّ عنها؟
__________________
(١) في المطبوع : مقويا.