في هذه المسألة واعتقدوا أنّ عمر إنّما أضاف النهي إلى نفسه ـ وإن كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الذي حرّمها ـ تغليظا وتشديدا وتكفّلا وتحققا.
وقسم آخر اعتقدوا أنّ ما أباحه الله تعالى في بعض الأوقات ، إذا تغيّرت الحال فيه وأشفقوا من ضرر في الدين يلحق في الاستمرار عليه ، جاز أن ينهى عنه بعض الأئمة ، وعلى هذا الوجه حمل الفقهاء نهي عمر عن متعة الحجّ ، وقد تقدّم ذكر ذلك ، على أنّه لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المتمتّع لا يستحقّ رجما ولا غيره ، ولا عقوبة ، وقال عمر في كلامه : لا أوتى بأحد تزوّج متعة إلّا عذّبته بالحجارة ولو كنت تقدّمت فيها لرجمت (١) ، وما أنكر مع هذا عليه ذكر الرجم والعقوبة أحد ، فاعتذروا في ترك النكير لذلك بما شئتم فهو العذر في ترك النكير للنهي عن المتعة ، وفي أصحابنا من استدلّ على أن لفظة «استمتعتم» تنصرف إلى هذا النكاح المؤجّل دون المؤبّد بأنّه تعالى سمّى العوض عليه أجرا ، ولم يسمّ العوض عن النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كلّه ، بل سمّاه نحلا وصداقا وفرضا ، وهذا غير معتمد ؛ لأنّه تعالى قد سمّى العوض عن النكاح المؤبّد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (٢).
وفي قوله جلّ وعزّ : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (٣) ، فإن قيل : كيف يصح حمل لفظة «استمتعتم» على النكاح المخصوص ، وقد أباح الله تعالى بقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) النكاح المؤبد بلا خلاف ، فمن خصّص ذلك بعقد المتعة خارج عن الإجماع؟
قلنا : قوله تعالى ـ بعد ذكر المحرمات من النساء ـ : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) يبيح العقد على النساء ، والتوصّل بالمال إلى إستباحتهن ، ويعمّ ذلك العقد المؤبد والمؤجل ، ثم خصّ العقد المؤجل
__________________
(١) راجع صحيح مسلم كتاب الحجّ : ١٤٥.
(٢) سورة الممتحنة ، الآية : ١٠.
(٣) سورة النساء ، الآية : ٢٥.