ويستغنى عن الإمام ، وإذا كان ما استدلوا به على صحّة الاجماع يحتمل ما ذكرناه فسد التعلّق به.
وأما قوله في نصرة هذه الطريقة جوابا لما سأل عنه نفسه من أنّ الآية «تقتضي الوعيد على اتباع غير سبيل المؤمنين ولم يذكر ما حال سبيلهم ، قيل له : إنّ الوعيد لمّا علقه تعالى بغير سبيل المؤمنين حلّ محلّ أن يعلّقه بالعدول عن سبيل المؤمنين وترك اتباعهم ، في أنه يقتضي لا محالة أنّ اتباع سبيل المؤمنين صواب ، وأنّ الوعيد واجب لتركه ومفارقته» (١) فتحكّم ظاهر ، ودعوى محضة ؛ لأنّه غير ممتنع أن يكون اتّباع غير سبيلهم محرّما ، واتّباع سبيلهم مباحا أو محرّما أيضا ، وليس هذا ممّا يتنافى.
ويبيّن ذلك أنّه لو صرّح بما تأولناه حتّى يقول : اتباع غير سبيل المؤمنين محظور عليكم ، وقبيح منك ، واتباع سبيلهم يجوز أن يكون قبيحا وغير قبيح فاعملوا فيه بحسب الدلالة ، أو يقول : واتباع سبيلهم مباح لكم لساغ هذا الكلام ولم يتناقض ، وإذا كان سائغا بطل قول من ادّعى أنّ النهي عن اتباع غير سبيل المؤمنين موجب لاتباع سبيلهم ، وأنه يجري مجرى التحريم لمفارقة سبيلهم ، والعدول عنها. وليس لأحد أن يقول : إنّ من لم يتّبع غير سبيل المؤمنين فلا بد أن يكون متّبعا لسبيلهم ، فمن هاهنا حكمنا بأنّ النهي عن أحد الأمرين إيجاب للآخر ، وذلك أنّ بين الأمرين واسطة فقد يجوز أن يخرج المكلّف من اتباع غير سبيلهم ، واتباع سبيلهم معا بأن لا يكون متّبعا سبيل أحد.
فأمّا قولك : «إنّه علّق الوعيد بما يجري مجرى الاستثناء من سبيل المؤمنين حتّى لا تتمّ معرفته إلّا بمعرفة سبيل المؤمنين (٢) ، فكأنّه تعالى أراد ما يجري مجرى النفي وإن كان بصورة الإثبات ؛ لأنّه لا فرق بين ذلك وبين أن يقول :
__________________
(١) المغني ١٧ : ١٦١ في فصل «ان الإجماع حجّة».
(٢) في المغني «وإذا عرف سبيلهم عرف ذلك الغير الذي يحرم اتباعه ، وما حلّ هذا المحل فلا بدّ من أن يدلّ على أن سبيل المؤمنين بخلافه وكأنه تعالى» الخ ولا يختلف المعنى غير أن ما في المتن أقل أو أدلّ.