«ولا يتّبع غير سبيل المؤمنين» ، وهذا بيّن في التعارف ؛ لأنّ أحدنا لو قال لغيره : من أكل غير طعامي فله العقوبة ، فالمتعارف من ذلك أن أكل طعامه مخالف لذلك ، وأنّ العقوبة إنّما تتعلّق بخروجه عن أن يكون آكلا لطعامه» (١) فغير صحيح ؛ لأنّ «غير» ـ هاهنا ـ ليس بواجب أن يكون بمعنى «إلّا» الموضوعة للاستثناء ، بل جائز أن تكون بمعنى : خلاف ، فكأنّه تعالى قال : لا يتّبع خلاف سبيل المؤمنين (٢) وما هو غير لسبيلهم ، ولم يرد : لا يتّبع إلّا سبيلهم ، ومعرفة الغير المحظور واتباعه وإن كانت لا تتمّ إلّا بمعرفة سبيلهم على ما ذكر ، فغير ممتنع أن يكون حكمه موافقا لحكم اتباع سبيلهم في الحظر ، ولا يجب أن يكون واجبا من حيث كان الأول محظورا ، وكانت معرفته لا تتم إلّا بمعرفته ، وقد أصاب في قوله : «لا فرق بين ذلك وبين أن يقول : «ولا يتبع غير سبيل المؤمنين» غير أنّه ظنّ أنّه لو استعمل هذا اللفظ لفهمنا منه ما ادّعاه من اتباع سبيلهم ، وليس الأمر كما ظنّ ، بل التأويل الذي تأوّلناه ودلّلنا على احتمال اللفظ الأوّل له قائم في الثاني ، وحكم المثل الذي ضربه أيضا هذا الحكم ؛ فإنّ من قال : لا تأكل غير طعامي ، أو من أكل غير طعامي عاقبته ، لا يفهم من ظاهر لفظه ومجرّده إيجاب أكل طعامه ، بل المفهوم حظر أكل ما هو غير لطعامه ، وحال طعامه في الحظر [أو] الإباحة أو الإيجاب موقوفة على الدليل ، وأقلّ أحوال هذا اللفظ عند من ذهب إلى أن لفظة «غير» مشتركة بين الاستثناء وغيره وأن ظاهرها لا يفيد أحد الأمرين ، أن يكون محتملا لما ذكرناه من حظر أكل غير طعامه ومحتملا لإيجاب أكل طعامه ، ووضع لفظة «غير» مكان لفظة «إلّا» وإنّما يفهم في بعض المواضع عن مستعمل هذا اللفظ إيجاب أكل طعامه لا بمجرد اللفظ ، بل بأن يعرف قصده إلى الإيجاب ، أو لغير ذلك من الدلائل المقترنة (٣) إلى اللفظ ، ولو لا أن الأمر على ما ذكرناه لما حسن أن يقول القائل : من أكل غير طعامي عاقبته ، ومن أكل طعامي ـ أيضا ـ عاقبته ، وكان يجب أن يكون نقضا
__________________
(١) المغني ١٧ : ١٦٢.
(٢) في نسخة : أو.
(٣) في نسخة : المضمومة.