أمّا ما لا يتخلّل الزمان بينهما ـ نظير العلّة والمعلول والسبب والمسبّب اللذين ليس بينهما إلّا تخلّل الفاء ، فيقال : «وجد فوجد» ـ فلا شبهة ولا خلاف في حرمة المقدّمة فيه ، وذلك لما قد سبق منّا تحقيقه في باب مقدّمة الواجب من أنّه حيث لا يصدر من المكلّف في إصدار المعلول بسبب إصدار العلّة تحرّكان ، فلا يكون بالنسبة إلى المعلول من المولى تحريكان ، فليس من قبل المولى تحريك إلى العلّة وتحريك آخر إلى المعلول ، فالنهي المتوجّه إلى المعلول هو بعينه متوجّه إلى العلّة ، فلذا لا يفرّق العرف بين قول المولى : «لا تقتل زيدا» وبين قوله : «لا تقطع رأس زيد» ففي مثل المقام تكون مقدّمة الحرام حراما لكن لا بالحرمة المقدّميّة ، بل بالحرمة النفسيّة.
وأمّا الصورة الثانية من صور سلب الاختيار من المكلّف ، كما أنّه يعلم المكلّف أنّه إذا دخل دار زيد يؤجر الخمر في حلقه ، ويصير بمحض دخوله الدار مسلوب الاختيار ، ففي مثل المقام أيضا يكون دخول الدار محرّما أيضا ، لما قد سبق أيضا منّا في بحث المقدّمات المفوّتة ، وذلك لأنّ العقل يحكم بحفظ غرض المولى على العبد وعدم جواز تفويته ، وهذه الحرمة أيضا ليست ترشّحيّة ولا نفسيّة ، بل قلنا : إنّه حرمة طريقيّة ، فإن فات غرض المولى بدخوله الدار ، يكون الدخول محرّما أيضا ، وإن لم يفت ، فليس إلّا صرف التجرّي.
وأمّا المقدّمات التي لا يكون المكلّف بعد تحقّقها مسلوب الاختيار فهي على قسمين ، لأنّ المكلّف إمّا أن يأتي بها بقصد التوصّل إلى الحرام ، كما أنّه يدخل السوق لشرب الخمر ، أو لا يكون كذلك ، بل يأتي بما يقدر معه على شرب الخمر لكن لا بقصد شرب الخمر.
لا شبهة في عدم حرمة القسم الثاني ولا وجه لها ، وأمّا القسم الأوّل :