وأمّا كون متعلّق الحكم ذا مصلحة وذا ملاك ملزم فليس للمولى شغل بذلك ، وما لم يحرز ذلك لا يمكن التمسّك بالإطلاق بهذا المعنى ، فهو نظير الحكم بجواز الأكل ممّا يأخذه الكلب من قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ)(١) الّذي لا يكون إلّا في مقام بيان جواز الأكل ، أمّا محلّ الملاقاة نجس أو طاهر فلا يكون في مقام بيان ذلك.
على أنّه لو كان المولى في مقام البيان أيضا لا يفيد في المقام ، حيث إنّ نفس توجيه الخطاب للعاجز وتكليفه يكون ممّا يصلح للقرينيّة على تقييد المتعلّق ، ولا بدّ في تماميّة الإطلاق من أن لا يكون الكلام محفوفا بما يحتمل ويصلح للقرينيّة على التقييد.
وإن كان المراد من الإطلاق ما يستكشف عقلا إنّا كشف المعلول عن علّته ، سواء كان المولى في مقام البيان من جهة الملاك أم لا ، فلا يجدي أيضا حيث إنّ الكشف ليس إلّا من المعلول الّذي هو الوجوب ، وهو مقيّد ـ على الفرض ـ بغير صورة الابتلاء بالأهمّ أو المضيّق ، فالمنكشف أيضا مقيّد بغير هذه الصورة.
وبعبارة أخرى : الوجوب متعلّق بالحصّة التوأمة مع القدرة ليس إلّا ، فإذن لا وجوب لغيرها ، فمن أين يستكشف الملاك في أزيد من هذا المقدار الّذي هو متعلّق الوجوب؟ فلا طريق لنا لكشف الملاك إلّا في تلك الحصّة التوأمة مع القدرة لا غيرها.
الثالث من الوجوه : ما تقدّم في بحث التعبّدي والتوصّلي لاستكشاف ملاكات الأحكام.
__________________
(١) المائدة : ٤.