بل كانت مطلقة ، نظير التخيير العقليّ ، فإذا قال المولى : «أعط الفقير درهما» فكما يمتثل أمره بإعطاء درهم واحد كذلك يمتثل بإعطاء خمسة دراهم دفعة واحدة.
ثمّ لا يخفى أنّ الوجوب حيث كان منبعثا عن شدّة إرادة المولى واشتياقه إلى شيء ، الملازمة للمنع من الترك ، فحينئذ لا يمكن تصوّر التخيير بين الأقلّ والأكثر ، إذ معنى الاكتفاء بالأقلّ هو جواز ترك الأكثر ، ومعنى وجوب الأكثر المنع من تركه ، وكون الشيء مرخّصا في تركه وممنوعا عن تركه واضح الفساد ، فلا بدّ من بيان صور المسألة وأقسامها وتمييز الممكن عن الممتنع ، وأنّه في أيّ منها يكون هذا المحذور.
فنقول : إنّ الأقسام أربعة :
الأوّل : أن يكون كلّ من الأقلّ والأكثر مقيّدا بأمر وجودي ، نظير التخيير في الأماكن الأربعة ، فإنّ المكلّف مخيّر بين القصر فيها والإتمام ، وكلّ منهما مقيّد بأمر وجوديّ ، وهو السلام في الركعة الثانية أو الرابعة.
وهذا القسم في الحقيقة خارج عن التخيير بين الأقلّ والأكثر ، بل يكون تخييرا بين المتباينين ، إذ لكلّ منهما حدّ غير حدّ الآخر.
الثاني : أن يكون الأقلّ محدودا بأمر عدميّ والأكثر أيضا محدودا به أو بعدم النقصان عنه ، وذلك نظر التسبيحات الأربع [ثلاث مرّات] فإنّ المكلّف مخيّر بين أن يأتي بإحداها بشرط لا ـ أي بشرط عدم الزيادة بعدها ـ أو يأتي بالثلاث مقيّدة بعدم الزيادة أو عدم النقصان عنها.
وهذا أيضا لا محذور فيه ، فإنّه إن اقتصر بالأقلّ فهو ، وإلّا فعليه أن يأتي بالأكثر.