«أكرم كلّ عالم» فكأنّه قال : «أكرم زيدا وعمرا وبكرا وخالدا» إلى آخر أفراد العالم ، فهذه الدلالات موجودة في ضمن ذلك العامّ وهو إجمال لذلك التفصيل ، فلو قال في دليل آخر : «لا تكرم زيدا» لا يعارض إلّا دلالة العامّ على إكرام زيد ضمنا ، أمّا دلالته على إكرام خالد وعمرو وبكر وغيرهم ضمنا فليس لها معارض ، وإذا لم يكن لها معارض ، فلا وجه لسقوطها عن الحجّيّة ورفع اليد عنها.
لا يقال : إنّ هذه الدلالات التضمّنيّة كلّها تابعة للدلالة المطابقيّة ، والمفروض أنّها ساقطة.
فإنّه يقال : الدلالة التضمّنيّة وإن كانت تابعة للدلالة المطابقيّة في مقام الثبوت والواقع ، وتسقط الأولى بتبع سقوط الثانية ، إلّا أنّ الأمر في مقام الإثبات والدلالة ينعكس ، لأنّ المخصّص أوّلا وبالذات لا يعارض إلّا الدلالة التضمّنيّة التبعيّة بالنسبة إلى زيد الخارج ـ مثلا ـ بالتخصيص ، فتسقط الدلالة المطابقيّة بالنسبة إلى هذا الفرد في مقام الإثبات بتبع سقوط الدلالة التضمّنيّة ، وحيث لم يكن لسائر الدلالات الضمنيّة التبعيّة معارض ومزاحم ومانع عن ثبوتها فلا تسقط حتّى تسقط الدلالة المطابقية بتبعها ، فتكون دلالة العامّ على هذه الدلالات الضمنيّة التبعيّة غير المزاحم بمزاحم أقوى مطابقة باقية ، فهو حجّة فيما بقي تحته.
وهذا ممّا أفاده بعض مقرّري بحث الشيخ الأنصاري (١) قدسسره ، وهو في غاية الجودة ، ولا وجه لما أورده عليه صاحب الكفاية (٢) ، كما لا يخفى.
__________________
(١) مطارح الأنظار : ١٩٢.
(٢) كفاية الأصول : ٢٥٧.