العامّ لأجل المخصّص بالنسبة إليها ، فلا مانع من التمسّك بالعامّ ، لكونه ظاهرا في العموم ، ولا مقتضي لرفع اليد عن هذا الظهور إلّا فيما يكون معارضا بالدليل الأقوى ، ودخول «زيد» في المخصّص مشكوك ، ولذا لا نتمسّك بالمخصّص ولا نجري حكمه عليه ، فلا يكون ظهور العامّ في هذا الفرد المشكوك معارضا بدليل أقوى منه ، فلا محذور في التمسّك بالعامّ بالنسبة إليه.
والجواب عنه : أنّ مناط جواز التمسّك بالعامّ ليس مجرّد كونه ظاهرا في شيء ، بل المناط هو الحجّيّة الثابتة ببناء العقلاء وعملهم بالظواهر ، والقدر المتيقّن من بنائهم العمل بالظواهر ما لم ينصب قرينة على الخلاف ، وفي مورد نصب القرينة المنفصلة ـ مثل : «لا تكرم الفسّاق من العلماء» ـ على الخلاف يرون أنّ موضوع الحكم في دليل «أكرم العلماء» وما هو مراد جدّي للمتكلّم ويكشف عنه ظهور العامّ هو العلماء الذين لا يكونون فاسقين ، فالفرد المشكوك خروجه عن تحت العامّ ودخوله تحت المخصّص لا من جهة المفهوم ، بل من جهات خارجية ، وإن كان العامّ ظاهرا فيه إلّا أنّه ليس من الظواهر التي تكون حجّة عند العقلاء ، فلا يمكن الأخذ بهذا الظهور.
وبعبارة أخرى : العامّ له ظهوران : ظهور أوّلي في العموم ، وهو باق بعد ورود القرينة المنفصلة أيضا ، ولا ينقلب عمّا هو عليه ، وظهور ثانويّ له في أنّه كاشف عن أنّ المولى صدر منه هذا الكلام بداعي الجدّ لا بدواع أخر ، كالامتحان والتقيّة والمزاح وأمثال ذلك ، والأوّل تابع للوضع ، والثاني تابع لبناء العقلاء ، فما دام موجودا هذا البناء منهم هذا الظهور الثانوي أيضا موجود ، وجواز التمسّك بالعامّ هو الظهور الثانوي للعامّ ، ومن المعلوم أنّه بعد ورود القرينة المنفصلة يكون ظهوره الثانوي في العلماء الذين لا يكونون فاسقين ، إذ