وغير ذلك ، فهي وإن كانت عامّة شاملة لكلّ ما شكّ في حكمه فحص عنه أو لا ، إلّا أنّها خصّصت بما بعد الفحص قطعا إمّا بالدليل العقلي المتّصل أو المنفصل أو اللفظي المنفصل.
فإنّ خصّصت بالقرينة العقليّة الضرورية المتّصلة بحيث لا ينعقد لها ظهور إلّا في الخاصّ ، وفي الشبهات بعد الفحص ، فحالها حال الأصول العقليّة العمليّة في أنّ موضوعها من الأوّل مقيّد بما بعد الفحص.
وإن خصّصت بالقرينة المنفصلة العقليّة أو اللفظيّة ، فربما يقال بعدم الفرق بين المقامين ، وأنّ الفحص في كليهما يكون عمّا يزاحم الحجّيّة ، إذ الظهور منعقد للعامّ في العموم ، وتمّت حجّيّته على ذلك في الأصل اللفظي والعملي بلا تفاوت بينهما.
ولكنّ التحقيق أنّ الموضوع والمقتضي للبراءة لا يكون تامّا مطلقا حتّى في أدلّة البراءة الشرعيّة المخصّصة بالقرينة المنفصلة ، وذلك لأنّ لنا حينئذ فحصين : أحدهما : الفحص عن مخصّص «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» وغيره من أدلّة البراءة الشرعيّة ، فإنّه أيضا عامّ نحتمل وجود مخصّص له ، فإذا فحصنا وظفرنا بما دلّ على وجوب السؤال والتعلّم والفحص الّذي هو مخصّص له ، فنرى أنّ نفس هذا المخصّص يدلّ على وجوب الفحص ، فيقيّد العامّ في «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» بما بعد الفحص ، فكأنّه قال : كلّ شيء فحصت عن حكمه وما ظفرت به مطلق ، فلا بدّ بمقتضى دليل المخصّص من فحص آخر لإحراز موضوع حكم البراءة الشرعيّة في الشبهات البدويّة.
وهذا الفحص الثاني عن مقتضي البراءة وعن نفس الحجّة ، بخلاف الفحص الأوّل ، فإنّه عمّا يزاحم الحجّة.