وهكذا في مثل «أكرم العلماء وقلّدهم وأضفهم إلّا الفسّاق منهم» الّذي يكون المحمول فيه متعدّدا وإن كان صورة جمل متعدّدة إلّا أنّه في الواقع جملة واحدة ، كأنّه قال : «العلماء محكومون بهذه الأحكام إلّا الفسّاق منهم» فإنّهم لا يحكمون بهذه الأحكام.
هذا كلّه فيما لم يكرّر ما هو متّحد في جميعها ، وإن كرّر ذلك ، مثل أن قال : «أكرم العلماء والأشراف ، وأكرم الشيبة إلّا الفسّاق منهم» أو قال : «أكرم العلماء وأضفهم ، وقلّد العلماء إلّا الفسّاق منهم» ففي كلا القسمين كان ظاهرا في رجوعه إلى الأخيرة ، بمعنى أنّه ظاهر في رجوعه إلى جملة كرّر فيها الموضوع أو المحمول لو كانت أخيرة ، أو هي وما بعدها لو كان شيء بعدها ، وذلك لأنّ العرف يرون هذه الجملة منقطعة عمّا قبلها لا ربط لها به أصلا ، فتكرار الحكم أو الموضوع مع كونه واحدا قرينة عرفيّة على رجوع الاستثناء إلى هذه الجملة المكرّر فيها الحكم الواحد أو الموضوع الواحد.
والحاصل : أنّ الميزان في ظهور الاستثناء في الرجوع إلى الجميع هو كون الجمل المتعدّدة عند العرف جملة واحدة. وبعبارة أخرى : كونها بحيث لو كان لفظا جامعا دالّا على جميع الموضوعات أو شاملا لجميع المحمولات يعبّر المتكلّم بهذا اللفظ. والميزان في رجوعه إلى الأخيرة أن لا يكون كذلك ، ومع التكرار ينقطع الكلام عمّا قبله بنظر العرف ، فكأنّه تمّ وخلص وأتى بكلام مستأنف ، فيأخذ الاستثناء محلّه ، وهو الجملة الأخيرة ـ لو كانت هي ما كرّر فيها الموضوع أو المحمول أو ما يكون كذلك وما بعده من الجمل المعطوفة عليه ـ وبعد أخذه محلّه لا وجه لرجوعه إلى الجميع ، كما لا يخفى.
بقي الكلام فيما إذا كان تعدّد الجمل بتعدّد موضوعاتها ومحمولاتها معا ،