كما إذا قال : «أكرم العلماء ، وجالس الفقراء ، واحترم الشيبة إلّا الفسّاق منهم» ولعلّه هو محلّ الكلام بين الأعلام.
فنقول : تارة يكون العموم بالوضع ، وأخرى بقرينة الحكمة ، فإن كان بالوضع ، فلا ريب في عدم رجوع الاستثناء إلى الجميع ، بل يرجع إلى الأخيرة ، فإنّه المسلّم والمتيقّن. وأمّا رجوعه إلى غيرها فهو وإن كان ممكنا بحسب مقام الثبوت والواقع إلّا أنّه بحسب مقام الإثبات والدلالة لا وجه له ، فإنّ العامّ ـ بمقتضى تعهّد المتكلّم بأنّه متى أتى بلفظ «العلماء» مثلا أراد منه إسراء الحكم إلى كلّ فرد من أفراد العالم ـ يدلّ على العموم وظاهر فيه ما لم ينصب المتكلّم قرينة ظاهرة بحسب الفهم العرفي على خلافه ، والاستثناء قرينيّته للأخيرة مسلّمة ، وأمّا بالنسبة إلى غيرها فلا ظهور له عرفا في ذلك ، وما لا ظهور له عرفا في كونه قرينة صارفة لظهور الكلام لا يمكن ولا يصلح لأن يتّكل عليه المتكلّم في مقام المحاورة ، فلا يرفع اليد عن ظهور العامّ في العموم.
وبعبارة أخرى : مورد احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة ، الموجب للإجمال هو ما كان أصل القرينيّة شيئا محرزا ، وكان الشكّ في جهة إجمال القرينة ، كما في المخصّص المجمل المتّصل ، فإنّه يوجب إجمال العامّ ، لكونه قرينة عرفية على عدم إرادة العموم من العامّ ، فهو صالح لأنّ يتّكل عليه المتكلّم ، لا ما كان الشكّ في أصل وجود القرينة ، كما في المقام.
وبهذا يظهر حكم ما كان العموم مستفادا من قرينة الحكمة ، فإنّ الإطلاق باق على حاله بعد تماميّة مقدّمات الحكمة ما لم ينصب المتكلّم قرينة ظاهرة عرفية على الخلاف ، وقد عرفت عدم صلاحية الاستثناء المتعقّب للجمل للقرينيّة ، غاية الأمر أنّ هذا الظهور ممّا كان بالوضع ، فاتّضح أنّ الاستثناء ظاهر في رجوعه إلى الأخيرة بحسب المتفاهم العرفي ، ولا وجه لرجوعه إلى غيرها.