الأوّل : أن يكون بدويّا زائلا بأدنى تأمّل كما في لفظ «الإنسان» فإنّه حيث إنّ الغالب فيه أن يكون ذا رأس واحد ويدين ورجلين ، فالعرف من جهة هذه الغلبة يرى ابتداء وبالنظرة الأولى من كان ذا رأسين أو ذا أربعة أرجل مثلا خارجا عن حقيقة الإنسان ، لكنّه بعد أدنى تأمّل وأقلّ تفكّر يحكم بأنّه أيضا إنسان حقيقة ، فلو كان الإنسان في رواية ودليل محكوما بحكم ، لا يعتنى بمثل هذا الانصراف ويتمسّك بالإطلاق ، ويثبت الحكم لجميع الأفراد حتى من كان ذا رأسين.
القسم الثاني : ما يكون موجبا لظهور اللفظ في غير المنصرف عنه ، كما في لفظ «الحيوان» فإنّه بحسب معناه اللغوي صادق على كلّ ما يكون واجدا للحياة حتى الإنسان ، ولكنّ العرف يرى الإنسان مع أنّه واجد للحياة ومشترك مع سائر الحيوانات في كونه مادّيّا وذا روح بخاريّ خارجا عن حقيقة الحيوان بحيث لو خوطب أحد بهذا اللفظ ليتأذّى منه ، ومن هنا أفتى الفقهاء بجواز الصلاة في شعر الإنسان سواء كان من المصلّي أو من غيره ، كما إذا تزيّنت امرأة بشعر امرأة أخرى مع ورود الروايات الدالّة على عدم جواز الصلاة في شعر حيوان لا يؤكل لحمه ، ووبره بألسنتها المختلفة ، وليس ذلك إلّا من جهة انصراف لفظ «الحيوان» وظهوره عرفا في غير الإنسان ، ومثل هذا الانصراف لا ريب في كونه قرينة على التعيين ، كالقرينة اللفظيّة ، فمعه لا يمكن التمسّك بالإطلاق.
القسم الثالث : ما يكون وسطا بينهما لا بنحو يكون زائلا بالتأمّل كالأوّل ولا موجبا لظهور اللفظ في غير المنصرف عنه ، بل بنحو يبقى العرف متحيّرا أو شاكّا في صدق اللفظ على بعض الأفراد ، وهذا كما في ماء الزاج