البراءة عن تقييد الصلاة بالوضوء لإثبات النفسيّة لوجوب الوضوء ، كما أفاده شيخنا الأستاذ (١) ، إذ هذا الأصل معارض (١) بأصالة عدم النفسيّة ، وعدم كون
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٧١.
(٢) أقول : إنّ ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله ـ من عدم المعارض لأصالة البراءة ، وانحلال العلم الإجمالي بوجوب الوضوء ، المردّد بين الغيري والنفسيّ حكما ـ هو الحقّ.
توضيحه : أنّ جريان البراءة الشرعيّة يحتاج ـ مضافا إلى كون المجرى مشكوك الوجود ـ إلى أمرين آخرين: أحدهما : لزوم التوسعة على العبد ، لأنّها صدرت امتنانا. والآخر : أنّها لمّا كانت أصلا تأمينيّا يؤمّن من العقاب ، فلا بدّ من وجود احتمال العقاب ، فإذا كان العقاب معلوما وجودا أو عدما ، فلا مجال لجريان أصالة البراءة ، وكلا الأمرين مفقود فيما نحن فيه.
أمّا الأوّل : فلأنّ النفسيّة وإن كانت مشكوكة على الفرض إلّا أنّ رفعها يوجب الضيق على المكلّف ، بخلاف رفع الغيرية.
وذلك أنّ وجوب الوضوء إذا كان غيريّا ، فلا بدّ أوّلا من لزوم إيقاعه قبل ذلك الواجب المحتمل تقيّده به. وثانيا لزوم عدم إبطاله حتى يأتي بذلك الواجب ، وأمّا إذا كان نفسيّا فالمكلّف في سعة من هذا ، سواء أتى به قبل ذلك الواجب أم لا ، وسواء أبطله أم لا ، فرفع النفسيّة خلاف الامتنان فلا تجري البراءة.
وأمّا الثاني : فلأنّ العقاب على ترك الوضوء قطعيّ إمّا لترك نفسه إذا كان نفسيّا أو ترك ذلك الواجب إذا كان مقدّمة له ، فجريان البراءة عن وجوبه النفسيّ لا يوجب التأمين من العقاب.
هذا ، مضافا إلى عدم الفرق بين هذا القسم والقسم الثاني ، فلما ذا لم يقل هناك بالاحتياط؟
وبالجملة يرد عليه النقض أولا : بما ذكر من القسم الثاني. والحلّ ثانيا : بعدم توفّر شرط جريان الأصل في جانب نفسيّة وجوب الوضوء ، فتجري البراءة في جانب تقيّد الواجب بالوضوء ، فينحلّ العلم الإجمالي حكما ، فيحكم بوجوبه النفسيّ.
إن قيل : يرد على النائيني أيضا أنّ إجراء البراءة عن تقيّد الواجب بالوضوء لنفي وجوبه الغيري مثبت ، لأنّ لازم عدم التقيّد عقلا عدم وجوبه الغيري ، فلا مجال لجريان البراءة عن التقيّد أيضا.
قيل : لا ، بل تقيّد الواجب بالوضوء نفس غيريّة وجوبه لا أن يكون أحدهما لازما ـ