وما تأخير يوم القيامة وما فيه من أهوال وعذاب إلا لمضي مدة محددة في علم الله تعالى ، لا زيادة عليها ولا نقص ، وهي عمر الدنيا ، لإعطاء الفرصة الكافية للناس لإصلاح أعمالهم ، وتصحيح عقيدتهم ، كما هو قانون الله وسنّته في صريح قرآنه : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨)) [الكهف : ١٨ / ٥٨].
ثم وصف الله المهابة يوم القيامة ، وذهاب العقل ، وهول القيامة ، وذلك في قوله سبحانه : يوم يأتي يوم القيامة لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى ، فهو صاحب الأمر والنهي المطلق ، ويكون أهل المحشر صنفين : شقي معذب لكفره وعصيانه ، وسعيد منعّم في الجنان لإيمانه واستقامته ، كما قال تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشّورى : ٤٢ / ٧]. فمن اختار الغواية والشّر فهو من أهل الشقاوة ، ومن أراد الهداية والخير ، فهو من أهل السعادة ، وكلّ ميسّر لما خلق له.
وأحوال الفريقين ما يلي : فأما الأشقياء فهم مستقرون في جهنم ، بسبب اعتقادهم الفاسد وعملهم السيّئ ، ولهم من الهمّ والكرب وضيق الصدر وشدة العذاب زفير تنفّسهم ، شهيق نفسهم ، على عكس المعتاد ، لما يعانون من العذاب. وهم ماكثون في النار على الدوام مدة بقاء السماوات والأرض ، وهذا مجرد تمثيل لإفادة التأبيد ونفي الانقطاع. والمراد بالاستثناء في قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) بيان أن الخلود في النار بمشيئة الله تعالى ، لا يخرج فيها شيء عن إرادته ومشيئته. قال ابن جرير : من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدا قالت : هذا دائم دوام السماوات والأرض ، وكذلك يقولون : هو باق ما اختلف الليل والنهار. أو أن الله يبدل السماء والأرض يوم القيامة ، ويتأبد ذلك.
إن ربّك يفعل ما يشاء ، على وفق علمه ومقتضى حكمته.