أن نشرك بالله ، أي شيء كان ، من ملك أو إنس أو جنّ ، ذلك الإقرار بتوحيد الله وأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، هو من فضل الله علينا ، حين هدانا إليه ، ومن فضل الله على الناس بإرسالنا إليهم ، ننبّههم إلى الصواب ونرشدهم إليه ، ونبعدهم عن طريق الضلال ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون نعمة الله وفضله ، فيشركون بالله إلها آخر ، ولا يقدّرون نعمة إرسال الرّسل إليهم ، فمعنى قوله : (لا يَشْكُرُونَ) أي الشكر التام الذي فيه الإيمان.
يا رفاق السجن ، هل القول بتعدد الآلهة والأرباب المتفرقين في الذوات والصفات خير وأجدى وأنفع ، أو الإيمان بالله الواحد الأحد الغلاب القهار ، الذي لا يحتاج لغيره ، ويقهر بقدرته وإرادته كل شيء.
إن تلك الآلهة التي تعبدونها هي مجرد أسماء فارغة ، حين سميتم أصنامكم آلهة ، فليست عبادتكم لإله إلا باسم فقط ، لا بالحقيقة والواقع ، ولم ينزل الله بها حجة أو برهانا ، وما الحكم والتّصرف النافذ والمشيئة والملك كله إلا لله ، وليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء ، فكيف تصح عبادتها وإطاعة الناس لها ، إنها تسمية لا دليل عليها من عقل ولا نقل سماوي. والله سبحانه الخالق الرازق المهيمن القادر هو الذي أمر ألا تعبدوا وتطيعوا إلا إياه سبحانه ، وهذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له ، هو الدين المستقيم الذي أمر الله به ، وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبّه ويرضاه.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك هو الدين الحق ، الذي لا عوج فيه ، ولهذا كان أكثرهم مشركين ، كما قال الله تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)) [يوسف : ١٢ / ١٠٣].