مشيئة الله ، فإنه فعل ذلك بإذن الله ووحيه ، مما يدلّ على أن تلك الحيلة مشروعة مأذون بها من الله العلي الحكيم.
وفوق كل عالم من هو أعلم منه ، والمعنى : أن البشر في العلم درجات ، فكل عالم لا بدّ من وجود من هو أعلم منه ، فإما من البشر ، وإما الله عزوجل. قال الحسن البصري : ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي إلى الله عزوجل. فإذا كان إخوة يوسف علماء ، فإن يوسف كان أعلم منهم.
الحوار الحادّ
بين يوسف وإخوته ، وبينهم وبين أبيهم
تفجّرت الأزمة الخانقة بين أولاد يعقوب في مصر ، وبينهم وبين أبيهم في فلسطين ، ووقعوا في كمين أو فخ شائك ، وظهرت الطبائع على حقيقتها ، بالرغم من كون الأولاد أبرياء من السرقة ، والملك يعرف ذلك. لكن الحادث أغاظهم ، وبدأت الاتّهامات الباطلة ومخاوف اللقاء مع الأب ، وما يتعرّض له من ألم وأسى جديد حين عودتهم من دون بنيامين. فما ذا فعلوا في ساحة الاتّهام؟ قال الله تعالى واصفا وقائع الحوار وصدمة يعقوب وشكواه إلى الله وصبره.
(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا (١) (٢) (٣)
__________________
(١) نعتصم بالله.
(٢) يئسوا من إجابته.
(٣) انفردوا عن الناس يتناجون ويتشاورون.